الطريق إلى رقة القلوب

الطريق إلى رقة القلوب

سأل رجل الجنيد: كيف الطريق إلى الله؟ فقال: توبة تحل الإصرار، وخوف يزيل الغرة –الغفلة- ورجاء مزعج إلى طريق الخيرات، ومراقبة لله في خواطر القلوب.

قال عون بن عبد الله: قلب التائب بمنزلة الزجاج، يؤثر فيها جميع ما أصابها، فالموعظة إلى قلوب التائبين سريعة، وهو إلى الرقة أقرب، فداووا القلوب بالتوبة، فلرب تائب دعته توبته إلى الجنة حتى أوفدته عليها. وجالسوا التوابين، فإن رحمة الله إلى التوابين أقرب.

أوحى الله تعالى إلى سيدنا موسى عليه السلام: يا موسى، خاطب المذنبين باللطف واللين، وادعهم إلي بالقول الجميل، ورغبهم في النعيم المقيم، ولا تغلظ عليهم، فلو شئت أن أعجل عقوبتهم لما أهملتهم طرفة عين، وأعلمهم أنه من تاب إلي قبلته، ومن تمادى أهملته، ومن عصاني عذبته. يا موسى: من ذا الذي قصدني صادقا فخيبته، أو لجأ إلي فأسلمته، أو سألني فمنعته، أو رجع إلي فطردته، أو تاب إلي وما قبلته، أو تضرع إلي وما رحمته.

فالبدار البدار إلى التوبة، قبل أن تعمل سموم الذنوب بروح الإيمان عملا يجاوز الأمر فيه الأطباء واختيارهم، ولا ينفع بعده الاحتماء، ولا ينجح بعد ذلك نصح الناصحين ووعظ الواعظين، وتحق الكلمة عليه أنه من الهالكين، ويدخل المذنب تحت عموم قول الله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ،وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ،وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ }