برهوم يا حبيبة
مرحبا بك عزيزي الزائر.
إن كنت مسجلا فشرفنا بالدخول.
وإن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه
معنا في منتدى الشهاب البرهومي
وشكرا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

برهوم يا حبيبة
مرحبا بك عزيزي الزائر.
إن كنت مسجلا فشرفنا بالدخول.
وإن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه
معنا في منتدى الشهاب البرهومي
وشكرا
برهوم يا حبيبة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
دخول

لقد نسيت كلمة السر

المواضيع الأخيرة
» رسالةالماجستيرللطالبة قطوش حورية
&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& I_icon_minitimeالإثنين 25 مارس - 13:52 من طرف قطوش ادريس

» أكبر معدل في ش ت م 19.88تحصلت عليه وصال تباني من عين الخضراء-مسيلة.
&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& I_icon_minitimeالأربعاء 29 يونيو - 16:28 من طرف البرهومي

» الجائزة الثانية على مستوى الولاية لتلميذ برهومي
&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& I_icon_minitimeالأربعاء 25 نوفمبر - 12:18 من طرف امل

» هل من مرحب
&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& I_icon_minitimeالجمعة 17 يوليو - 1:22 من طرف Numidia

» عيد سعيد للجمييييع
&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& I_icon_minitimeالجمعة 17 يوليو - 1:19 من طرف Numidia

» افتراضي ظهور قناة الارث النبوي على Eutelsat 7 West A @ 7° West
&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& I_icon_minitimeالجمعة 17 يوليو - 1:14 من طرف Numidia

» اقبل قبل فوات الاوان
&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& I_icon_minitimeالسبت 5 يوليو - 14:33 من طرف شهاب2008

» موضوع مهم ...
&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& I_icon_minitimeالسبت 5 يوليو - 14:30 من طرف شهاب2008

» حوار هادف بين البنات و الشباب****هام للمشاركة........... ارجو التفاعل
&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& I_icon_minitimeالثلاثاء 13 مايو - 19:38 من طرف خالد المرفدي

تصويت
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 6 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 6 زائر

لا أحد

[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 197 بتاريخ الإثنين 1 أغسطس - 1:01

.: عدد زوار المنتدى :.

المصحف الكامل
جرائد اليوم






&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

4 مشترك

صفحة 1 من اصل 2 1, 2  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 14:54

فاتحة
أيتها الشمس المهربة من عيون النخيل...
من شرايين العراجين...
في حقائب القراصنة اللئام...
إلى مدائن الضباب والظلام...
ها قد عادت حمحمات الخيول...
في أرضنا المكابرة...
أرض الرجال السمر...
أرض الكرام...
فانتظرينا يا شمسنا...
نحررك من قيد الأفول...
من غرب الزنادقة الطغام...
فلا إشراق لك إلا في عيون النخيل...
في شرايين العراجين...
في أفقنا الذي لا يضام...
-1-

أجري... أتعثر... أنـهض... أعدو... أتعثر... تنـهش الحجارة زبدة ركبتي... نباح جنود يلسع قلبي الصغير خوفا... أغمض عيني أو أكاد... تغرق مقلتي في نـهر من الدموع.

أجري... أتعثر... أسيج لعبتي الصغيرة بذراعي النحيلتين... أضمها إلى صدري.

أجري... أتعثر... تبكي ركبتاي دما... يحاصرني نباح الجنود... يغتال الهواءَ من حولي... أحس بالاختناق... تزداد دقات قلبي... يكاد يطير مني... يكاد ينفجر.

خطوات وألج البيت... تطول المسافة... يب ْ عُدُ الباب كبعد القمر... أرجوك اقترب... أرجوك انفتح... إنـهم خلفي تكاد أشداقهم تلتهمني… أحس أنيابـهم تنغرز في لحمي الطري... لحم ساقيَّ وإليتيَّ.

تمتد القهقهات عالية تلسع قلبي المرتجف كسوط إقطاعي جبار... تلتف حول ساقي تشلهما عن الحركة تماما... أتعثر... أنـهض … أضم لعبتي إلى صدري... أغرسها تجاويف القلب النابض.

أقاوم... أتحدى... أعدو بسرعة أشد... تستمر قهقهات الكلاب أصيح ملء فمي:
- مـا..مـ..ا.. مـ..ا.. مـا. . مـ...ا. .

يقهقه الكلاب... مازالوا يعدون خلفي... أياديـهم تمتد تمسكني من رقبتي... لا مازالت بعيدة عني لن يصلوا إلي... سألج الباب قبلهم... سأغلقه خلفهم... سأضع عليـه كل ما في بيتنا من متاع ثقيل... خزائن... طاولات... أسرة... سيتصدى لهم أبي... سيقتلهم... يقتلهم جميعا.

أعدو... ألهث... تنقطع أنفاسي... يجف ريقي... أمد ذراعي اليمنى إلى أقصى نقطة... شبر واحد يفصلني عن الباب تفزعني قهقهاتـهم... صرخاتـهم... وقع أقدامهم الغليظة.

لن ألتفت خلفي... سألج الباب بسرعة، ثم أغلقه بسرعة ولن يمسكوا بي... أمفتوح هو أم مغلق؟ أفي البيت أهلي أم غادروا؟ وإلى أين؟ هل يمكن أن تكون الكلاب قد افترستـهم قبلي؟

يضعضع الرعب أركان جسدي المتـهاوية... تصطك ركبتاي... أشد لعبتي إلى صدري لن يخطفها الكلاب مني... لن يدوسوا عليـها بأقدامهم الغليظة… لن يأخذوها لأطفالهم.

تفتح أمي الباب على مصراعيـه... يتوهج النور... يتسلل إلى شغاف القلب... يغتال عنـه الخوف...

تخطفني من العتبة...

تضمني إلى صدرها كالبرق...

تسقط لعبتي إلى الأرض تتدحرج بعيدا... بعيدا...

أصـــرخ.

يقترب نباح الجنود وقهقهاتـهم... وقع أقدامهم يزلزل تحتنا الأرض... يكاد يدك البيت فوق رؤوسنا...

أصـــرخ.

-لعبتي أمي... أرجوك... لعبتي... لعبتي.

أجهد نفسي لأتملص منـها … لابد أن أنقذ لعبتي... لن يدوسوها بأقدامهم الخشنة... بحوافرهم البغيلة... لن يبتزوها مني.

ورميت بنفسي على الأرض... تدلت يداي وجذعي كله... لكن أمي بقيت تمسك وسطي بقوة... أوصدت الباب خلفها... غلَّقه أبي... وابتلعتنا أحضان البيت...

رعب يستولي على الجميع... رعب لم أره في عيون أفراد أسرتي من قبل أبدا... عيونـهم تدور في محاجرها تكاد تنفجر… ينبعث منـها بريق منكسر... متخاذل... حائر.

يصلون... يشرعون في التـهام الباب... يغتال الخوف الجميع فيركنون إلى زوايا الحجرة... يشرنق الهلع أمي... تبتلعنا في حضنـها أنا وأختي الصغيرة عائشة ذات العام ونصف العام.

كنت أجهش بالبكاء ولاشيء بقي في نفسي إلا لعبتي، ماذا فعلوا بـها؟ هل اغتنموها...؟ استولوا عليـها كما يستولي اللص على ممتلكات غيره...؟ هل داسوها بأقدامهم فمزقوها... فشتتوا أجزاءها؟
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 14:54

وخلتـها تصرخ فيَّ... تناديني... تستغيث بي...

أتململ في مكاني أحاول أن أتملص من الحصار الرهيب القوي الذي فرضتـه علي والدتي... لم تكن تريدني أن أبكي، ولا أن أجهش، ولا أن أنطق بكلمة واحدة... فقط يجب أن ألزم الصمت.

ولم أكن أدري ما الذي وقع؟ ماذا فعلت حتى يعدو خلـفي هؤلاء؟ ماذا فعلت أسرتي؟ لماذا يـهاجمون منزلنا؟

لماذا تخاف أسرتي وتستسلم بـهذا الشكل؟ وبـهذه الطريقة؟ لماذا لم يخرج أبي لمواجهتـهم وقد كان دائما يظهر أمامي بمظهر الرجل الشجاع الذي لا يخاف؟

الآن يجب أن استفسر عن الأمر...

يجب أن أجلو الحقيقة الغامضة...

سألت بصوت خافت:

- أمي...

ردت بصوت خافت أيضا

- اسكت إنـها الغيلان... الغيلان ستلتـهمنا جميعا... فقط يجب أن تسكت لكي لا تتفطن إلينا.

قطعت أختي الصغيرة أنفاسها في الوقت الذي كنت أسمع دقات قلبـها الصغير بوضوح.

لزمت أنا الصمت أيضا نزولا عن رغبة أمي وخوفا من هاتـه الغيلان... هل هذه هي التي كانت تخوفنا بها جدتي ليلا كلما أمعنا في إثارة غضبها؟

لقد صدقت أمي... لقد رأيتهم... إنهم مزيج من بشر وكلاب وخنازير... طوال عراض يحملون قطعا حديدية تلمع... يلبسون أحذية ثقيلة... مخالب أياديـهم طويلة حادة... مناخيرهم مدببة... آذانـهم ممتدة إلى الأعلى أصواتـهم نباح وتكشير.

التهمت الغيلان بمخالبها نصف الباب، وبدأت الزمجرات تصل آذاننا بوضوح.

ضغطت أمي على فمي بيدها المرتجفة... هممت أن أسألها عن أمر خطر بذهني ثم صرفت بالي عن ذلك ومددت يدي فأحطت يد أختي الصغيرة، ولزمت الصمت...

الصمت وحده سيد الموقف...

الصمت وحده سبيل النجاة... طريق النجاح.

ومن تحت إبط والدتي كنت أرقب الأحداث كلها... كل ما يدور في الحجرة... مازالت العيون تدور في محاجرها خوفا... ومازال الهلع فرسا محمحما يعدو جموحا فوق وجوه الجميع... كانت جدتي العجوز متكورة في الزاوية الأخرى وعن يمينـها ابنتـها الصغرى عمتي فاطمة، وعن شمالها ابنتـها المعوقة، أقصد عمتي ذات الخامسة والعشرين ربيعا، وقد اصفر وجهها فذهبت حمرتـه تماما... وذهبت إشراقتـه الفاتنة... لقد غطته سحب داكنة سوداء.

وكانت أمي تُكبر هذا الحسن في عمتي المعوقة فتقعدها أمامها الزمن الطويل لتنجب مثلها... وما أكثر ما كانت تمازحنا قائلة !

- لا تخافوا إذا انقطعت الكهرباء... عمتكم شمس تبدد كل ظلام مهما اشتدت حلكتـه.

لكن عمتي للأسف الشديد كانت عمياء بكماء... وما أشد الجمال في عينيـها وما أشده في فمها... !!

كانت عيناها بحريتين هادئتين صافيتين...

وكان فمها زهرة أقحوان...

الله ! ما أعظمك وما أقدرك !

لم يركن أبى كما ركنا، ولم يـهرب رغم إصرار أمي في أن يفتح كوة في السقف ويفر من الجهة الأخرى لأنـها كانت تعتقد أنه المستهدف، لكنـه رفض ذلك بشدة.

ليس رجلا من يسلم أهله للأعداء وينجو بنفسه، فإن أرادوا قتلنا فسيكون أول من يموت.

هكذا قال أبي وراح يسند الباب بكل ما وجده أمامه... الخزانة... السرير الصغير... الكراسي... وحتى الثياب... وكان يصيح بأعلى صوتـه حتى يكاد يبح.

- إننا أبرياء... لم نفعل شيئا... ماذا تريدون منا؟ ماذا تطلبون؟

والتهموا الجزء الباقي وامتدت مخالبهم تدفع ما كوم خلفه... وامتدت أرجلهم تلجه بسرعة.

ضغطت أمي على فمي بقوة أشد وهي تقول:

- ضيعتكم يا أولادي... ضيعتكم، رحماك يارب، رحماك

وأحسستها تضغطنا حتى تكاد تدخلنا صدرها... وسمعت عمتي تجهش مذعورة تقول لجدتي:

- من هؤلاء الوحوش أمي؟ ماذا يريدون؟ لماذا كسروا الباب؟ ماذا فعلنا؟

وفجأة اندفعت جدتي النحيفة وقد كاد المرض يهدها تردهم عن أبي وقد اجتمعوا عليه كالطيور الجارحة، وعاجلوا جدتي بضربة قوية على خدها الأيمن فأسقطوها أرضا دون حراك.

وهمَّ والدي أن يوقفها من سقطتها فأفرغ فيه أحدهم وابلا من رصاص تقيأتـه حديدتـه اللماعة الطويلة، وملأ الحجرة وميض شديد.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 14:56

تـهاوى أبي جثة هامدة فوق جدتي وانفجر الدم من جسده يرسم على وجه الأرضية خطوطا حمراء... وفي الوقت الذي ارتفعت قهقهات الغيلان... ارتفع عويل عمتي ذات العشرين عاما... تكورت عمتي البكماء المكفوفة... أما أمي فقد سمعتها تنتحب بشدة، وراحت تشدنا إليـها بقوة، وتشدد قبضتـها في هستيرية على فمينا...

لم تكن تريدنا أن ننطق... لم تكن تريد الغيلان أن تتفطن إلينا... ستقتلها هي وحدها وينتهي أمرها كما انتهى أمر أبي، ولكن المهم عندها أن ننجو نحن.

ومد أحدهم يده إلى رجل جدتي العجوز، وكانت قد فطنت فراحت تئن أنات متقطعة، فحملها كما يحمل النسر فريسته، دار بها عدة مرات ثم أطلق سراحها ليرتطم رأسها بالجدار، ويتهشم، وتتطاير منه بعض الأجزاء، ويتراذذ منها مخها ودمها هنا وهناك.

ارتفع تصفيقهم مهللين لفعلة صديقهم... ولمحنا أحدهم متكومين في ركن الحجرة كأننا متاع بال مهمل، فأشار إلى زميله بطرفه... تقدم زميله نحونا في الوقت الذي أشهر هو فوهة موته... ركل أمي... جذبها، لم تتحرك من مكانها كأنما شدت إليه بمسامير... شحذ رشاشه وأفرغ نارا كاوية في ظهر أمي حتى تقيأت فوقنا، لكن يديها مازالتا تشدان بقوة على فمي وفم أختي الصغيرة ذات العام والنصف... سمعت عمتي تصيح وقد التصقت بأختـها المكفوفة التي كانت تلزم الصمت المطبق، ولم أعد أرى شيئا، لقد غطاني الدم... غطى وجهي... رأسي... جسدي... وتسرب حتى بين شفتي... وداخل ثيابي كان الدم ينزف من فم والدتي، ومن أنفها ومن جراحاتها بقوة كأنه نهر يتدفق ماء معدنيا.

دوى الرصاص وسمعت عمتي البكماء تصيح... أدركت أنـهم قتلوا عمتي الصغرى.

خرجت الغيلان من بيتنا، لكن نباحها مازال يصلني ممزوجا بصيحات عمتي المذعورة المتألمة، وتمنيت لو كانت ناطقة مثلنا فأفهم ما تقول.

ولم أستطع أن أنهض من مكاني كان جسد أمي متهالكا ثقيلا على صدري رغم ارتخاء يدها عن فمي، وكان دمها الحار المتدفق ما يزال يغسل جسدي كله ويتسلل إلى البلاط من تحتي... ومازال الخوف يكبلني بقوة.

دوت في سمعي رصاصات اخترقت قلبي المترع بالخوف... ثم هدأ كل شيء... أصغيت السمع جيدا دون أن أخرج من الحضن الدافئ... لقد ذهبوا... لم يعد يصل سمعي شيء، لا نباحهم ولا تكشيراتهم، ولا دوي رشاشاتهم، ولا حتى صوت عمتي المذعورة المتألمة... قتلوها ربما... أو ربما أخذوها معهم... لست أدري.

وتدافعت من تحت والدتي حتى خرجت وقد احمرت كل ثيابي...

لاشيءَ في البيت...

جثث مبعثرة هنا وهناك...

اشتد ذعري...

يالهول الفاجعة !!

جدتي وقد تهشم رأسها... والدي وقد غطى الدم صدره... قريبا منه عمتي تتكئ جثتـها على الحائط وقد فغرت فاها وتسايل الدم من ثقب في جبهتها... أمي وقد تكومت في بركة كبيرة حمراء...

خضني دوار شديد... فجأة أجهشت ببكطاء مرعوب وقد راحت كل جوارحي تصطك...

شيئا فشيئا تماسكت... مددت يدي فسحبت أمي إلى جانب والدي… نظرت إلى السقف كان مثقوبا بالرصاص… وكذا كانت الجدران… داهمني موج من القشعريرة… فجأة هرعت إلى الباب… حين وضعت قدمي الصغيرة على عتبته تناهى إلى أذني أنين ضعيف ينبعث في الدار... اقشعر جلدي... أخرج أشواكا طويلة حادة... ارتعدت فرائصي... اصطكت ركبتاي... أسناني... ارتجفت أصابعي.

إنها أرواح الموتى... يا رب حفظك واندفعت خارجا... وتسمرت رجلاي حيث وصلت... كبَّلهما الشلل وشدهما إلى الأرض كأنما وقعت فريسة عنكبوت أسطوري عملاق ..

مسحت العرق المتصبب على جبيني... استرجعت أنفاسي وتذكرت ماغاب عن بالي طول هذه المدة... تذكرت أختي الصغيرة... أماتت هي أيضا؟

حولت بصري ببطء تأملتها كانت ممددة حيث كانت، وقد تلونت كلية باللون الأحمر... لقد تجمد الدم على وجهها وشعرها الحريري وثيابـها الزاهية...
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 14:58

ماتت... ما الذي أزهق روحها الصغيرة البريئة !! ثقل أمي فوق جسدها الضعيف؟ ضغط اليد على فمها؟ تسلل الدم بغزارة إلى تضاريس وجهها؟ أم أصابتها رصاصة غادرة؟

ورجعت القهقرى عجلا ناسيا كل ما تملكني من ذعر، غير مبال ببرك الدم الذي بدأ يتجمد على أرضية الحجرة.

مددت إليـها يدين مذعورتين… مسحت وجهها بيدي… ثم بمنديل كان في جيبي… لقد أشرق وجهها... غدا شمس الأصيل تعصبـها سحابات حمراء.

لاحظت صدرها يعلو ويـهبط قليلا قليلا... كذَّبت عيني... حدقت جيدا لم أستطع أن أتأكد... وضعت يدي على أنفها إنها تتنفس تنفسا رقيقا يعْبُر أنفها داخلا خارجا... وضعت أذني على صدرها، جاءتني دقات قلبها البريء تعزف سنفونية الحياة بصعوبة.

حملتها بين ذراعي، الحمد لله أن لم تكن بدينة وإلا تركتها حيث هي تلفظ أنفاسها الأخيرة.

لفتت انتباهي محفظتي ملقاة على الأرض، ترددت قليلا ثم حملتها بيدي الأخرى.

شدتني أمي إليها شدا قويا... ما أعظمك أيتها الأم !! سامحيني إن أخطأت يوما في حقك… إن تجاوزت حدي في الشقاوة معك… لم أكن أدرك أبدا أن الأمومة عظيمة إلى هذا الحد الكبير… لم أكن أدرك أبدا أن الأمومة يمكن أن تسعد بالموت لتـهب أولادها الحياة...

لن أنساك أيا أمنا...

ستعيشين دوما في قلبي الصغير...

في قلبي الذي سيكبر...

يكبــر...

يكبـــر...

وأين سيكبر؟ لقد هدَّ الغيلان العش الدافئ…

هدوا أسرتي…

اغتالتها سهام الغدر اللعينة...

إلى أين سنلجأ؟ من يضمنا إلى حضنه؟ من يرضعنا حنانا كنا نرضعه هنا

وفررت من سبحاتي، لا بد أن أخرج... لا بد أن أغادر، لعل الغيلان ستعود، واندفعت عند الباب... اجتزت العتبة... خطوة واحدة وتسمرت رجلاي مرة أخرى، لم أقو على الحركة، وضعت أختي جانبا، وقد بدأت تستعيد وعيها... جثوت على ركبتي... مددت يدي... حملت أشلاء لعبتي، كانت محطمة قطعا صغيرة... حاولت جمعها من هنا وهناك، لم أستطع... لقد تطايرت أجزاءها كأنما سقطت فوقها قنبلة ففجرتـها تفجيرا.

وتسمرت عيناي على المشهد المريع...

ياللفضاعة ! يالهول الفاجعة !!

ياللجريمة النكراء !!

ماذا فعلت عمتي المسكينة حتى يفعلوا بها هذا؟ !!

كانت عارية تماما... مُـدّدت على ظهرها والدم القاني ينزف بطيئا بين نهديها وتحت سرتها... ويتسلل مضمخا وجه بساط الحشيش الأخضر.

وأسرعت نحوها... نزعت معطفي وغطيتها… غطيت جزء منها... ثم جمعت بعض ثيابها الممزقة المرماة هنا وهناك فوضعتها فوقها كانت أحب إلي من كل أفراد أسرتي... وكانت تحبنا أكثر من نفسها... تلبي رغباتنا مهما كانت مستحيلة... وتمنع عنا غضب والدينا... وتدخلنا حضنـها حين ننام ليلا.

انتبـهت إلى نفسي... خطفتُ أختي عائشة من الأرض، وضعتـها فوق ظهري، كان بكاؤها قد تحول من النحيب والنشيج إلى الصياح... لم تكن تدرك المسكينة الخطر المحدق بنا... حاولت إسكاتـها لم أفلح... ودعت عمتي آخر مرة بنظرة فيـها دموع... وودعتني بتوهج احمرار بشرتـها المشرقة كالشمس، وانطلقت على غير هدى.

كان منزلنا على سفح الجبل بالضبط، منعزلا عن منازل القرية... لم يكن بعيدا جدا عنـها إن هي إلا مسافة دقائق قطعتـها هرولة تطاردني المأساة التي خلفتـها في بيتي، لابد أن أخبر السكان بما جرى... لابد أن أطلعهم على الحقيقة المرة... ألهذا الحد يغيب عنـهم الحدث؟ أتشغلهم أمور الدنيا فلا يفطنون إلى مجزرة وقعت في وضح النـهار؟

ورنوت ببصري إلى منارة المسجد، لا شك أن الناس قد بدأوا يتجمعون هناك... الآن وقت صلاة الظهر... سأصيح فيهم جميعا فإذا انتبهوا أخبرتهم... لا بل سأخبر الشيخ الإمام وهو بدوره سيخبر الجميع.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:01

وبدرت مني التفاتة إلى الأرض... ما هذا المزروع على تضاريس وجهها؟ ياالله إني أخطو فوق جثث الأموات... عشرات هنا وهناك... مقطوعو الرؤوس... مقصوصو الأيدي... مثقوبو الصدور والبطون... أطفال فوق نساء... ونساء فوق عجائز، جثث تهالك بعضها فوق بعض.

تملكني الرعب… دق قلبي بسرعة عجيبة … وضعت أختي جانبا وقد علا بكاؤها ونواحها وجلست حيث أنا… لم أكن أطيق نطقا... لم أكن أجرؤ على أن أخطو خطوة واحدة.

ما ذنب هؤلاء؟ ماذا فعلوا؟ من هؤلاء الذين قتلوهم؟ لماذا لم يدافعوا عن أنفسهم؟ متى وقع كل هذا البلاء؟

اقتربت مني عائشة مرعوبة باكية، غرست رأسها في صدري، لقد هالها ماكانت ترى... ضممتها إلى صدري مهدئا، ورحت أتجول بعيني بين الجثث... مناظر مريعة... مشاهد مرعبة... كانت النيران تلتـهم معظم المنازل والأشجار، وكان الأثاث مكوما بالقرب مني يحترق بأناة.

تركت أختي حيث هي غير مبال بإصرارها على أن أبقى معها، ولا بيديها اللتين امتدتا تمسكان بي، لقد دفعني الفضول إلى أن أتأمل كومة الأثاث... سرت خائفا ارتجف... اقتربت منها لفحتني النار، وملأ منخري الدخان، فتراجعت القهقرى.

أمام عتبة باب المسجد الذي مازال يحترق كانت تتمدد جثة الإمام في عباءته البيضاء، وقد أحرقوا لحيته الحمراء، وسلخوا جزء من جلد رأسه.

لم أتحمل المنظر المفزع... بدرت مني صرخة رددتـها منازل القرية وجنبات المسجد ثم ذهبتْ أدراج الرياح.

وضعت كفيَّ الصغيرين على عيني فزعا، وتراجعت إلى الوراء فاتكأت على جدار المسجد باكيا.

امتدت إلي يد... أمسكت ثيابي... اقشعر بدني... صرخت... فتحت عيني... كانت أختي قد لحقت بي وعلى محياها ملامح الألم والفزع... لم يبق لها في الوجود صدر حنون تلجأ إليـه وتحتمي بـه إلا أنا.

جلست على الأرض... وضعتها في حضني... قبلت خدها المتورد... أشارت إلي أنها تريد ماء... ثم أشارت إلى ألم بفخذها الأيمن... فحصتها... ياإلهي لقد أصابتها رصاصة طائشة والدم مازال ينزف منها... عاينت الجرح بدقة، كان الدم ينزف ببطء شديد لم يكن الجرح عميقا بل كان سطحيا جدا.

أخرجت منديلي لففت لها الجرح وهي تتألم... دخلت الجامع... جئتـها بشيء من ماء... شربتْ وشربتُ... وانطلقنا لابد أن أرحل عن هذه القرية، ليس من اللائق أن أبقى أطول مما بقيت، سيكون هذا المكان محج الوحوش المفترسة... ولعل الغيلان ستعود لمهمة أخرى، وإذا وقعتُ في قبضة أحد الفريقين فلن تكون عاقبتي ولا عاقبة أختي حسنة.

حملت أختي وانطلقت أتخطى الجثث التي بدأت تتناقص كلما تركت القرية خلفي... دخلت دربا متعرجا بين الأشجار التي كانت تنتشر مشرعة أذرعها للسماء كأنما متصوفة يتضرعون إلى الله.

راحت رجلاي الصغيرتان تتسابقان، لم أكن أعرف إلى أين أسير... ولا إلى أين أتجه... ذهني كان خاليا من كل شيء المهم أن الدرب مازال يمتد أمامي كالحلم، وهأنذا أصر إصرارا قويا على مواصلة السير فوقه.

عند واد صغير أحسست من بعيد حركة غير عادية... حركة شخص خلف الأشجار... أو لعله صوت حيوان مفترس أو أليف، لست أدري... خففت من سرعتي خوفا ورحت أرقب الجهة بدقة... فاجأني صوت من خلف الأعشاب الملتفة كأنما هو صوت مكروب وجد فجأة من ينقذه من خطبـه الجسيم:

ـ محمد... محمد... نجوت من الذبح؟

عرفتـه من صوتـه إنـه عثمان تربي وصديقي في المدرسة.

عجبت أنني لم أشاهده في القرية... أنجا وحده... أم نجا معه بعض أفراد عائلتـه وبعض سكان القرية؟

حين رأيته عاد إلي شيء من الأمل، وأحسست كأن جسمي الذي كان متضعضعا قد بدأ يجتمع ويلتم.

وحدثني عثمان عن كل شيء، كان بيتـهم وسط القرية بالضبط، وقد رأى بعينيـه كل ما وقع بالتفصيل.

حدثني كيف بدأ الهجوم المباغت على السكان العزل... وكيف وجدوا معظم الرجال مجتمعين في الساحة العامة قرب المسجد... وكيف ساقوا النساء والأطفال ونزلوا فيهم تذبيحا وخنقا وحرقا... وكيف صبوا على عشرات منهم البنزين، وأحرقوهم بعد أن كبلوهم بالأسلاك.

لم يفزعني هذا كثيرا لأني كنت قد رأيت آثاره واضحة جدا للعيان، لكن الذي ذبح فيَّ ما تبقى من شجاعتي وتماسكي حكايتـه عن أختـه الصغيرة ذات العام الواحد، حين عمد أحدهم فحملها من سريرها، وضرب رأسها بخنجره فأطاره ثم حملها من رجلها كما يحمل الصياد الأرنب بالضبط.

- بـها.. بـها.. ماذا..سـ..يفعلون؟
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:02

سألت... وأسناني تصطك... وبدني يرتجف... وجبيني يتفصد عرقا... فجاءت جملي مبعثرة... وحاول أن يرد لكن الخوف ألجمه وأفحمه.

كنت أتـأمله يجهد نفسه كيف ينطـق دون جدوى… احمر وجهه... انتفخت أوداجه... وانفجر باكيا وهو يدفن رأسه في صدري فيكاد يسقطني

وفهمت ماذا يفعلون بها... وما سيفعلون بها؟؟ سيأكلونها طبعا... هؤلاء الوحوش يأكلون لحوم البشر إذن؟ هؤلاء هم الغيلان الذين كانت جدتي تحدثني عنـهم دائما.

أمسكته من يده أجره خلفي وقد بدأت أختي عائشة تتثاقل فوق ظهري، وتثقل كاهلي، قلت لعثمان :

- لا أحد يمكنه أن يرد... الغيلان وحدها تستطيع أن تحقق ماتريد... تدخل إلى أي مكان تريد... وتتحدى كل مخلوق... وتتشكل في كل الصور والأشكال.

ورد علي وفي كلامه كثير من السخرية:

- عن أي غيلان تتحدث يامحمد؟ لقد رأيتهم رأى العين … كنت مختبئا في حديقة منزلنا ورأيتهم بوضوح... كانوا بشرا مثلنا تماما... إنهم الصرب يامحمد... الصرب الذين يكرهوننا... الصرب الذين عملوا قرونا على مسخنا و تدجيننا فلما عجزوا هاهم ينكلون بنا... آخر وسيلة بقيت لهم هي ترهيبنا ثم تشريدنا...

وفهمت عندئذ الأمر... هل يمكن للإنسان أن يصل إلى هذه الدرجة من الوحشية فيقتل أخاه، بمجرد أنه يختلف معه في لغة أو دين أو جنس...؟؟؟

وما كان يلقنـه لنا معلمنا في المدرسة من الفضائل الإنسانية التي يجب أن تتميز بـها... ألم يكن يقول لنا: أن الإنسان أخو الإنسان مهما اختلف معه؟ ألم يقل لنا أن الاختلاف رحمة؟ فكيف صار في لحظة نقمة وهلاكا ودمارا؟

وأين معلمي الوسيم صاحب الابتسامة العذبة التي كان يلقانا بـها عند كل صباح وعشية؟ هل قتلوه أيضا؟ هل نكلوا بـه كما نكلوا بكل سكان القرية؟ وهل يمكن أن تضيع معه كل تلك القيم والمبادئ؟

ومد عثمان يده وهو يحس أنني بدأت أتعب فأخذ عني أختي التي سرقها النوم من الواقع حولها... وضعها فوق كتفه كما كنت أحملها، وانطلقنا بسرعة.

كنا نخطف أرجلنا عن الأرض خطفا ونتلفت للوراء... وذات اليمين وذات الشمال في كل لحظة... كنا نحس كأن الغيلان ينهبون الأرض خلفنا نهبا، وإن لحقوا بنا فسيكون مصيرنا كمصير أهلنا وذوينا...

وقصصت على عثمان قصة أسرتي كاملة، منذ مطاردتي وأنا أحلم مع لعبتي عند المنحدر، إلى أن خطفتني والدتي عند عتبة الباب... وكيف فجروا رأس جدتي فانفجر وتراذذت عظامه ومخه... وكيف أردوا والدي صريعا وهو يدفع عنا عدوانهم... وحين وجدت عمتي الخرساء عارية والدم يطبع قبلاتـه ما بين نهديها وتحت سرتها.

وتراءت لي الغيلان ذات أشكال غريبة... أذان طويلة... وعيون كثيرة... مناخير... خراطيم... مخالب... ذيول... وأشعار.

ونظرت خلفي حيث القرية بدأت تغيب بناياتـها بين الأشجار العالية... قزعات بيضاء كانت تحوم في صفحة السماء، ومازال الدخان يلف القرية وقد اشتد سوادا وكثافة، ومنارة الجامع وحدها مازالت تقف شامخة وسط المأساة.

سألني عثمان حائرا:

- إلى أين ستذهب يا محمد؟ إننا نسعى على غير هدى لقد ضيعت كل أهلي وأقاربي ليس لي من أعرفه خارج قريتي... ولا أحد يمكن أن يأويني أو يقوم على أمري.

- لا تحمل هما نحن نسعى إلى هذه القرية التي تراها أمامك... فيـها خالتي وستكون لنا حضنا دافئا... إنـها تشبـه أمي في كل شيء.

ولاحظت أن الدم مازال ينزف من فخذ أختي، وأن المنديل قد احمر تماما وذهب بياضه، فأنزلتها من فوق ظهر عثمان... لابد أن أجدد لها الضمادة... مددتها أرضا... قطعت كم قميصي ولففت لها الجرح، ثم انطلقنا سريعا.

على مشارف القرية التقانا جمع من الناس... رجال ونساء وجدناهم متجمهرين كانوا بانتظارنا، وما إن رأونا حتى هرعوا نحونا وفي عيونـهم تتراقص آلاف الأسئلة.

حمل زوج خالتي أختي عائشة، واندفعت خالتي تضمني إلى صدرها تمسح رأسي الذي تجمد الدم فوقه، ثم ارتعشت باكية، وهي تقول، والكلمات تتزاحم عند شاطئ فمها:

- محمد ولدي العزيز... أخبرني أسرع أخبرني أين أمك؟ أين أمك؟

وأُلجمت عن الكلام، لقد أصبت بالخرس... لم أقو إلا على النحيب الشديد... اندلقت دلاء عيني... انفجرت أبكي بشدة كأنني بركان انكتم ثم انفجر يدفع حممه الملتـهبة... لم أبك من قبل... مذ بدأت المجرزة لم أبك... أين كانت هذه الدموع؟ هل جبنت هي أيضا عن المواجهة؟ هل كانت تخشى أن تغتال أيضا؟
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:02

والتصقت في خالتي لا أريد أن أبرحها... طوقت رقبتـها بذراعي الصغيرتين لم أكن أريد كلاما... لم أكن أريد أن أنطق ولا أن أسمع...

أريد فقط أن أبكي.

أدركت خالتي أن ورائي فاجعة... فأبعدتني عنها ملحة على السؤال عن أمي فقط دون غيرها.

- أخبرني أين أمك؟ هل تركتـها بخير؟

وأنقذني عثمان من الحرج الكبير الذي وضعتني فيـه خالتي، ماذا سأقول لها؟ كيف أنقل إليـها الكارثة؟

- قتلوهم جميعا.

هكذا نطقها عثمان مبتورة... مختصرة... مضغوطة...

- جميعا؟ من تقصد؟

هكذا علق زوج خالتي وهو يوجه نظره إلى عثمان الذي رد بمرارة شديدة

- كلَّ سكان القرية لم ينج أحد إلا أنا ومحمد وعائشة الصغيرة.

وفتح الجميع أفواههم مندهشين، وراح بعضهم يردد.

- يا للوحشية !! يا للوحشية !!

وعلق شيخ عبث الشيب بلحيته وتراخت أعصابه فارتعشت يداه.

-لقد تنبأت بـهذا منذ سنوات طويلة فلم تصدقوني… إنـهم أعداؤنا... بل أعداء البشرية قاطبة، كل مصائب الإنسانية جاءت منهم... إنهم وحوش بلا قلب ولا رحمة... التاريخ يحدثنا عن ذلك... والتاريخ يعيد نفسه... والتاريخ أصدق القائلين... والله...

وقاطعتـه خالتي متأففة ضجرة من خطبته التي لا محل لها.

- صحيح يا محمد ما قال رفيقك؟

لم تكن خالتي لتصدق ما وقع... هكذا في لحظات عابرة تقفر قرية عامرة... هكذا في لحظات يفترس الموت كل حي... هكذا في لحظات يسدل الستار... وينتـهي كل شيء.

كانت أسئلة الجمع الغفير تتزاحم على أذني صديقي عثمان.

-كم كان عددهم؟ متى قدموا؟ ماذا كانوا يحملون؟

وألحت خالتي مرة ثانية علي في سؤالها، فقصصت عليها الحكاية من أولها إلى آخرها.

وارتفع عويل خالتي، وارتمت أرضا تضمني إليها، وتقبلني بهستيرية وجنون.

انتزعني منها الرجال ودفعوها أمامهم عائدين، وكالفرس الجموح تملصت من بين أيديهم، واندفعت إلى قريتنا تحصد الدرب فيستسلم أمام خطواتها.

ولحق بها بعضهم فأعادوها جرا، وهي تصرخ وتصيح، وقد تبعثر شعرها واغبر وجهها وتَرِبَت ثيابها

وعاد الجميع إلى القرية في موكب جنائزي صامت إلا من عويل خالتي وصراخها، والرجال يجرونها من يديها جرا عنيفا

دخلنا بيت خالتي، وبدأ سكان القرية يتوافدون… يتطلعون إلى الحقيقة… امتلأت الحجرات وكذا الفناء... وارتفعت الجلبة، واختلطت الأحاديث... بعضهم يمطرنا بعشرات الأسئلة وينتظر الرد... بعضهم الآخر كان ينصت... تشرئب أعناقهم من بين أعناق من تقدمهم، أو من نافذة الحجرة التي حرمت ضوء الشمس الخافت.

وكان أكثرهم يتبادلون، الحديث في الفناء، ينخفض حينا ويتعالى حينا آخر حتى يكاد يغطي على حديثنا.

وكان الجميع يشترك في شيء واحد... شيء واحد كان القاسم المشترك... الفجيعة تستحم في المآقي... الحيرة تطل على شرفات العيون... حيرة مرعبة مخيفة.

كنت أرى وجوههم صفراء ممتقعه علاها الشحوب... وعيونهم تدور في محاجرها لامعة براقة.

وكأنما أحس الجميع أنهم قد استنفدوا كل شيء يريدون قوله... أو يسألون عنه فسكتوا دفعة واحدة، وتركزت نظراتهم على شيخ في الستين من عمره، يجلس بالقرب مني، قوي البنية مشرق الوجه، يلبس عباءة بيضاء، غزا الشيب معظم شعر لحيته، فزاد وسامة ملامحه وسامة، وزاده هيبة ووقارا.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:04

وفهمت أنه إمام القرية لأن التقاليد عندنا تقتضي أن نرجع إليه جميعا في كل شيء، وفي كل حين... مواسمنا... أعيادنا... أفراحنا... أتراحنا.

وخاصة في الأوقات الحرجة، فهو أحكمنا، وأعلمنا، وأقدرنا على حل المعضلات.

وأحس الشيخ الإمام أن الجميع يريده أن يفصل ليخرجهم من حيرتـهم التي وقعوا فيـها

كانت خالتي تجلس بجانبي تحتضن عائشة الصغيرة نائمة في حجرها... وكنت أنا أسند رأسي على جنبها الأيمن، في حين كان صديقي عثمان يجلس عن يميني وعلى وجهه تشعبت الحيرة مخيفة.

تنحنح الشيخ ثم نطق وهو يشبك أصابعه وقد علت وجهه سحابة من الحزن الشديد... قرأ شيئا من القرآن الكريم لا أحفظه ولا أدرك معناه، ولكني أدركت حقيقتـه لأن الشيخ كان يقرأه بعناية ويرسله عذبا مجلجلا.

وذكر الشيخ أن هؤلاء الذين ماتوا هم في الجنة خالدين أحياء لأنـهم مظلومون.

ثم دعا سكان القرية إلى مرافقته حيث المجزرة لدفن الموتى والدعاء لهم، فهذا من أهم واجبات الأخ على أخيـه، واشترط أن لا يذهب النساء والأطفال.

وهب الناس ملبين النداء، واتكأ الشيخ على يديه يهم بالنهوض فأمسكته خالتي من عباءتـه تنتحب.

- أرجوك شيخنا إلا أنا يجب أن أذهب معكم... يجب أن أرافقكم... أريد أن أرى أختي... ابنة أمي وأبي، أريد أن أراها قبل أن توارى التراب... ليس لي غيرها يا شيخنا...

وضمها الشيخ إليـه وهو يقول:

- لا يا بنيتي العزيزة ليس من مصلحتك الذهاب… دورك الآن عظيم… الوفاء لأختك هو أن تحفظي ابنـها وابنتـها... وفي هذا خير كثير... ليس هناك أعظم عند الله من كفالة اليتيم والعناية بـه.

ولزمت خالتي الصمت، إنها لا تجرؤ على مناقشة الشيخ أكثر من ذلك... وانكفأت أنا على نفسي، لقد تغلغلت كلمة يتيم في قلبي خنجرا صدئا.

كان الرجال قد انصرفوا تماما... ولم يبق إلا حشد من النساء اللواتي أحطن بالشيخ يسألنـه... قالت إحداهن:

- ونحن ماعسانا نفعل؟ هل سنبقى هنا حتى يدهمنا الوحوش فيفعلوا بنا كما فعلوا بإخواننا؟

وردت أخرى كانت بجوارها.

- يجب أن نرحل، لن......

وقاطعها صوت شاب مازال وجهه أمرد

- بل يجب أن نقاوم... نموت جميعا ولا نترك أرضنا... نموت جميعا ولا نستسلم... هؤلاء لا يفهمون إلا لغة القوة.

وارتفع ضجيج الجميع... كل يدلي بدلوه وكل يبدي رأيـه... واختلطت الأصوات... ولم أعد أفهم شيئا.

وأسكتـهم الشيخ بإشارة من يده فتوقفوا جميعا دفعة واحدة.

- حين نعود من دفن شهدائنا سنقرر ما نفعل، عودوا إلى بيوتكم ساكنين.

واندفع الناس عائدين إلى بيوتـهم فيما لحق الشيخ بالرجال الذين كانوا يحملون الفؤوس والمعاول والمجرفات، واتجهوا جميعا عبر الدرب الملتوي إلى القرية الشهيدة.

ما إن ساد السكون والهدوء حتى أسرعت ابنة خالتي زينب فأخذتنا إلى غرفة الحمام واغتسلنا أنا وعثمان أولا... ثم عائشة ثانيا وبدلت ألبستنا جميعا.

ضمدت خالتي جرح عائشة بشيء من المراهم والضمادات، وأحضرت لنا طعاما فأكلنا واستسلمنا لنوم عميق... يجب أن نستريح... لقد تعبنا... لقد سرقت منا الفاجعة كل جهد.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:05

وقع أقدام تقترب... ضجيج لا يكاد يفهم... غبش يغازل عيني المثقلتين تعبا... المتعبتين نعاسا... رؤوس تتراقص على ضوء مصباح خافت... تتداخل الرؤوس... تتدافع... تنزل... تعلو... تظهر... تختفي...

بدأت الرؤيا تتضح... راحت عضلات جفني تنسحب بقوة للأعلى... انفتحت نوافذ عيني على مصراعيهما... اتضحت الرؤيا.

لقد عادوا... هاهم أمامي يتدافعون والصمت سيد الموقف... هل أنجزوا المهمة؟ هل نجحوا فيما ذهبوا من أجله؟ أعادوا جميعا أم عاد بعضهم ومنع البعض الآخر؟ كانت مغامرة صعبة محفوفة بالمخاطر.

هذا الشيخ وقد شحب وجهه وتبرج التعب عليـه يفتح عينين محمرتين تدوران في حيرة شديدة، عن يمينه زوج خالتي وابنه خالد وحوله رجال... شباب وكهول لا أعرفهم، وإن كنت أعرف ملامح بعضهم إذ طالما زرت خالتي في المواسم والأعياد والعطل...

وطالما رأيت هذه الوجوه الجامحة كوجوه الخيل...

المتعالية كرؤوس السرو...

المكابرة كهذه الأرض...

المستعصية كهذه الجبال الشواهق الشوامخ...

البريئة كعيون الأطفال...

السمحة كلون الحمام الوديع...

ذلك الكهل المفتول العضلات هو الذي سلخ كبش العيد الأقرن في بيت خالتي المرة السابقة...

الأصلع صاحب النظارة بجواره معلم في مدرسة القرية والحكواتي الذي يجتمع إليه السكان كل مساء فيقص عليهم القصص الممتعة.

ودون أن أتحرك من مكاني... دون أن ألفت الأنظار إلي سألت نفسي... لماذا عاد الرجال بهذه السرعة؟ ماذا وقع؟ أنا متيقن أني لم أنم إلا دقائق قد لا تتجاوز النصف ساعة هل قدروا على دفن الموتى بهذه السرعة العجيبة؟ مستحيل...

هل هاجمهم جنود الصرب فعادوا أدراجهم؟ يمكن ذلك.

وسرت قشعريرة الخوف في جسدي كله فانكمشت تحت الغطاء وسحبتـه ليتجاوز رأسي...

لم تغادر الصورة الفضيعة ذاكرتي، كانت تظهر بوضوح أمام مخيلتي، حاولت جهدي أن أبعدها، وضعت كفي الصغيرين فوق عيني لكن دون جدوى... كان القلب يقظا... وعيناه مفتحتين.

هاهي أمي في بركة دمها الأحمر القاني...

وهاهي جدتي مهشمة الرأس...

وها والدي متهالك بالقرب من عمتي الأصغر...

وها هي عمتي الخرساء شمسا مغتالة فوق تراب الأرض وقد سال نجيعها المتألق...

وها هم الجنود ينبحون في أذني بقوة كأنهم كلاب مسعورة.

وكبح الشيخ جماح خيالي وهو يرد في أسى على سؤال خالتي التي ألحت في طرحه ربما للمرة العاشرة.

- لقد سبقنا أعداؤنا إلى هناك... حفروا حفرة عميقة بالحافرة وألقوا كل الجثث فيها ثم أهالوا عليها التراب ودكوها دكا... إنها مقابر جماعية... إنهم يطمسون آثار جرائمهم... يخفون معالم توحشهم.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:06

هكذا يا بنيتي يفعل البشر حين يتجردون من إنسانيتـهم...

هكذا يفعلون حين يتجرأون على القيم... ويغتالون المبادئ...

هكذا يفعلون حين ينـهض وحش الأنانية في نفوسهم ويقتل صوت ضمائرهم.

لسنا الأُوَل يابنيتي ولن نكون الآخيرين... والنصر دوما يا بنيتي للشعوب الصامدة المكافحة الرافضة للذل... وليس ما وقع لإخواننا في البوسنة بالذي يخفى...

ها الزمان يمر...

وها التاريخ يلعن المتوحشين ويدين الكلاب المسعورة...

وها أبناء البوسنة لم تزدهم الجرائم إلا عزما وكبرياء…

لا تبك بنيتي هؤلاء الأبرياء الذي دفنوا في رحم الأرض... سينبتون زهورا للخير والحب والتسامح نواجه بـها غيلان الشر والأنانية.

كنت أسبح في عالم الملائكة... عالم الطهر والنقاء والمحبة... وأنا أسمع هذه الخطبة الطويلة.

وكانت خالتي المجروحة تجلس القرفصاء تنتحب قرب أختي الصغيرة المستغرقة في نوم عميق.

لم أر خالتي من قبل في الحالة التي رأيتها فيها الآن...لقد تلبد شعرها الحريري اللماع... واكفهر وجهها... وتشققت شفتاها... وزاغت عيناها المسيجتان بقضبان من اليأس والحزن العميق... العميق.

وضعت زينب صينية الشاي وسط الدار وملأت الكؤوس فأترعتها... قليلون مدوا أيديهم لارتشاف الشاي ساخنا... كثيرون كفوا أيديهم... ليس هناك شيء ألذ ولا أحلى وقد عصرت الفاجعة مرارتها في فم الجميع…

وأحسست أن كلامهم قد قلَّ... جمل يلقيـها الحاضرون هنا وهناك فتخرج متـهالكة متعبة تتأرجح على الشفاه الجافة اليابسة... الواقع أبلغ من الكلام وأشد وطء وأكثر قيلا... الواقع الآن جبار يتعفرت... يشهر خطر الفناء... وأنَّى للكلمات يصنعها اللسان أن تجبر الخاطر، أو تبلسم الجراح، أو تضمد الرعب والخوف؟

ولعل أكثرهم حماسا وحديثا سليمان ابن خالتي حتى كاد يتحول في الجمع خطيبا فيسرق الأضواء من الشيخ.

وابن خالتي فتى قارب الثلاثين يميل إلى الطول والنحافة، فيه كثير من صفات أمه… لونها... خضرة عينيها... جمال ملامحها... بريق شعرها... جمالها الفياض البالغ حد العنف أحيانا.

وهو فوق ذلك متعلم متفوق في تعلمه زار كثيرا من بقاع الأرض وخبـر الشعوب والأمم... درس بمدينة الرسول ومسجده ونحن نحب مثل هؤلاء المتعلمين ونقدرهم... وزار أمريكا وأنجلترا واليابان، لقد كان دوما قدوة الشباب ومضرب أمثالهم.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:06

كان يدعو الجميع للثورة والمقاومة، فإما النصر وإما الاستشهاد... لابديل عنهما... كان مصرا على التحاق الجميع بالجبال المجاورة... الشيوخ والأطفال والنساء والرجال... الجميع دون استثناء يجب أن يقاتلوا ليس هناك خيار.

أرض كوسوفا كما قال أرضنا...

من تربتـها نبتنا...

من أريجها أينعنا وأزهرنا...

وعليـها... فيـها يجب أن نموت...

بين شغاف قلبـها الدافق ندفن...

وهل نحن أول من مات من أجل هذه الأرض..؟

ولن نكون آخر من يموت طبعا...

هذه الأرض قادرة على الإنجاب دائما... ولن نكون أقل شأنا من أجدادنا... ولن نترك العار لأبنائنا وأحفادنا... لابد أن نقاوم، وما سنخسر بعد خسران الأرض... الأمِّ... الثدي... الحضن... القلب... الشريان... الوريد... الدمِّ...

الدمِّ الأحمر الفوار المتدفق...

النجيع الطاهر الهادر...؟

وهل هناك ما هو أثمن من ذلك وأعز وأغلى؟ وماذا نساوي نحن دون الأرض غير كتلة لحم بلا جذور... بلا انتماء... تتقاذفها الحوادث لتنتهي في مكان ما... في زمان ما... وتنتـهي إلى الأبد؟؟؟

أعجبني كلامه كثيرا فازددت حبا له وتقديرا... وتمنيت في قرارة نفسي لو كنتـه.

وأضاءت وجوه الشباب حوله، وأسفرت سماؤها عن إشراقة كادت تبدد سُحب العبوس والقنوط، وكذا ظهر وجه الشيخ وهو يضرب على كتف سليمان ويقول :

- بوركت سليمان.

لكن الشيخ عاد فدعا للتروي وتحكيم العقل حتى لا يقع شعبنا في فخ العدو الماكر الذي يسعى إلى أن يدفع بنا إلى مواجهة غير متكافئة، وبالتالي إلى الموت الجماعي، أي الانتحار حمقا وغباء.

وسكت الجميع مقلبين أبصارهم بين الشيخ والفتى، لقد هزتـهم فتوة سليمان وفاتتـهم حكمة الشيخ.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:07

وارتفع آذان العشاء فقطع حيرتهم، وقام الشيخ من مكانه، وهو يقول:

- بعد صلاة العشاء نجتمع في المسجد لابد أن نخرج بقرار هذه الليلة يخرجنا من حيرتنا هذه، ويفوت الفرصة على أعدائنا.

واندفع الشيخ خارجا، فاندفع الجمع خلفه، لم يبق في البيت إلا خالتي وابنتها ونحن الأطفال... يضاجع عثمان وعائشة نوما عميقا... ونسامر نحن صمتا رهيبا مفزعا.

حاولت أن أعود إلى النوم لكني لم أستطع، كنت تعبان... منهك القوى... خائر النفس... مذعور القلب... تتلاعب أمام عيني كوابيس القتلى والنار والدخان والبيوت المخربة.

وبينما اتكأت زينب لتنام كان نحيب خالتي مازال يشق سكون الليل البهيم، ربابة حزينة الإيقاع … يتيمة الدمع... لم تستطع أن تتماسك ولا أن تفطن من الصدمة التي وقعت على قلبها الرقيق.

وخالتي شبيـهة أمي في كل شيء... قدَّها... امتلاء جسدها... إشراقة وجهها... احمرار وجنتيـها... غزارة شعرها الأشقر الطويل الذي تعودت أن ترسله غدائر... وعاطفتـها الجياشة.

كانت أمي – رحمها الله- تبكي لكل شيء حتى للفرحة... تشرق على تضاريس وجهها المتألق... وتعبق على شفتيـها الرقيقتين.

وكانت تحرم نفسها حتى من ألذ ما تشتـهي لتؤثر بـه الآخرين مهما كان هؤلاء الآخرون... ومهما كانت درجة قربـهم أو بعدهم عنـها.

وكانت كلما حل يوم الجمعة أعدت طعاما كثيرا لتأخذه معها إلى الجامع حيث تؤدي صلاة الجمعة مع والدي وجدتي، فتعطي ذلك الطعام للفقراء والمعوزين.

ولأنها كانت ماهرة في إعداد أكلاتها الشعبية كانت مضرب المثل في القرية كلها، يستهوي طعامها كل من يذوقه.

وكثيرا ما سمعت أولئك المعوزين الضعفاء المستفيدين من أكلاتـها يرفعون أكف التضرع إلى الله داعين لـها بالخير والحفظ.

وهاهي تموت مقتولة قتلة شنيعة... لعل الله لم يقبل دعوات أولئك المساكين.

وتحركت أختي الصغيرة عائشة تئن أنينا ضعيفا متقطعا... فمسحت خالتي دموعها... استدارت إليها... ثم أدخلتها حضنها محاولة إعادتها للنوم.

عاد زوج خالتي من صلاة العشاء مهموما، لم يحرك شفتيه، ولم ينطق حتى بالتحية... انزوى فوق كرسي كان في ركن الحجرة وغرق في التفكير.

ذبحت خالتي صمتـه وهي تسأله.

-ماذا قررتم؟
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:08

واصل زوجها طقوس السكوت الحزين فزادت دقات قلبي... كنت أخشى قرارا مهلكا رغم أني كنت أضع كل ثقتي في الشيخ وحكمتـه.

ولكن أيًّا كان القرار سيكون مفزعا... ليس لنا خيار، إما المقاومة، وبالتالي التشرد في الجبال المجاورة، ودخـول حرب شرسة، وأعداؤنا يـملكون العدد والعدة... طائرات... مزمجرات... شاحنات... مدافع... وجنودا متوحشين مات فيـهم الضمير الإنساني.

وماذا نملك نحن غير هؤلاء البسطاء الذين يفيضون حماسا وتعلقا بالأرض؟

وإما الهجرة... الهجرة إلى المجهول المخيف المرعب حيث قد نضيِّع كل شيء حتى كرامتنا.

ومزق زوج خالتي شرنقة الصمت، فحدثها أن كل رجال القرية قد اجتمعوا واستقروا على رأي واحد.

وسكت مليا يبتلع ريقه ويعبث بشعر وجهه الذي أطل إلى النور منذ أيام ولم يحلقه... وخلت هذا المَلِيَّ دهرا، ماذا قرروا؟... بـماذا حكموا؟

وضجرت خالتي فسبقتني للسؤال.

-انطق، لماذا تقتلنا بصمتك؟

وانتبه زوج خالتي من شروده كأنما لسعتـه أفعى

-أجمعنا على رأي واحد... الهجرة والمقاومة.

ودخلتُ من جديد دوامة الحيرة... هذان أمران لا أمر واحد.

وأحس هو بالحيرة في نفوسنا، فأسرع يقطعها، وهو يركز نظراتـه صوب خالتي

-يهاجر الأطفال والنساء والعجزة وبعض الكهول، ويتطوع الباقي للمقاومة... لا يجوز أن يقول عنا الأعداء أننا تنازلنا عن عمقنا وجذورنا.

وتمنيت لو أن خالتي تسأله عن سليمان... أين هو الآن..؟ هل سيفارقنا ليلتحق بالمقاومين؟ هذا احتمال قوي جدان بل لعله سيكون أول من يتطوع، وهو أمر بقدر ما يثير في نفسي العزة والافتخار، بقدر ما يزرع فيـها أشواك الخوف واليأس.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:09

لكن خالتي لم تبرح محراب صمتها، نصبت ذراعها اليمنى... وضعت رأسها في كفها كأنه، رأس تمثال يقف على قاعدته، ومدت ذراعها الأخرى تحتضن عائشة الصغيرة، وسافرت في دروب من التفكير.

لعلها الآن في القرية حيث ماتت أسرتي وكل السكان...

لعلها في المنفى حيث التشرد والجوع والبرد والضياع...

لعلها في الجبال مع ابنـها فلذة كبدها سليمان... سليمان ابنـها الأكبر الوحيد.

لم تسأل خالتي، أنا أعرفها جيدا، كانت تحمل بين جوانحها نهرا دفاقا من العواطف، ومعه إعصار من الكبرياء والعزة والأنفة.

وبادرها زوجها يخبرها أن ابنهما سليمان سيلتحق بجيش التحرير مع غيره من الشباب، ولقد تم الاتصال والاتفاق على كل الخطوات.

أما هو فسيرافق العائلة حتى الحدود الألبانية طلبا للنجاة... ليست النجاة من أجل النجاة... بل من أجل المقاومة... ليست النجاة من أجل نجاة الأبدان... بل من أجل نجاة الوطن...

لا بد من الخروج ليكون الشعب بمنأى عن التقتيل والتنكيل.

يجب أن نستمر لنبقى غصة في حلوق الظالمين...

يجب أن نستمر لنبقى حصنا أمام عواصف الشر...

وانفجرت خالتي منتحبة، لم تتفوه بكلمة واحدة تماما، لكن بكاءها كان رسالة واضحة... كانت رسالة رفض مغادرة الأرض التي امتزجت تربتها المعطاء بدمها وعرقها... بذكرياتـها وآمالها… بآلامها وأحلامها.

وداهمها زوجها بسيل من الشروحات والتحليلات الكثيرة المعقدة التي لم يهضمها عقلي الصغير، فانفصلت عنهما، وعادت بي الذكرى إلى قريتي الصغيرة الآمنة الوديعة.

تذكرت بكورنا كل صباح نسابق الطير إلى الطبيعة...

تذكرت بقرتنا الحلوب التي أقبلها كل صباح كما أقبل أفراد أسرتي...

تذكرت أصدقائي حين نتجمع عند الساحة العامة وننطلق كالعصافير... كالفراشات... نعدو... نسابق... نقفز... تتعالى ضحكاتنا وأحلامنا وآمالنا...

تذكرت المعلم داخل القسم وهو يحرضنا على التنافس... ترى أين هو معلمي الآن؟ وأين هم أولئك الأصدقاء؟ أمات الجميع حقا فلم ينج إلا عثمان؟ أم نجا غيره؟

وتراقصت بين عيني صورة لعبتي المهشمة، والحوافر البغلية تدوسها فتتطاير أجزاؤها هنا وهناك.

مازالت خالتي تركن إلى الصمت... ومازال زوجها يروي قصصا مفزعة عن جرائم الصرب في القرى المجاورة، أما الآخرون فكانوا جميعا يغطون في نوم عميق... عميق...

أحسست بتيار بارد يلسع رأسي فتدثرت بالغطاء وغرقت في النوم.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:13

تناهى إلى سمعي وقع أقدام وأصوات وحركات وهمسات تملأ الحجرة... فركت عيني، يظهر أني شبعت نوما هذه المرة... تأملت ساعة الحائط على الضوء الخافت الذي كان ينبعث في استحياء شديد داخل الحجرة كان العقرب الصغير عند مشارف الخامسة، في حين راح الكبير يلهث متسلقا المرتفع ما بين السابعة والثامنة.

خالتي... زوجها... سليمان ابنهما... أخته زينب... كلهم كانوا هناك يعملون... يكومون الأمتعة والأثاث واللباس وسط الحجرة.

أدركت أنـه الرحيل وقد أزفت ساعة الهجرة… من هنا تبدأ… وإلى أين تنتـهي...؟؟ الله أعلم... كل الذي نعلم أنـها مغامرة صعبة سنخوض خلالـها عباب بحر مارد جبار... أين ومتى سترسوا قواربنا؟ لسنا ندري... الأمر موكل للمقادير... الله وحده يعلم غيبنا.

كان الظلام لا يزال يخيم على القرية... ونسمات هواء بارد تتسرب من النافذة التي فتحت قليلا.

اكتشفت أن العيون قد اكتشفت يقظتي، فانسللت من فراشي حتى لا أوقظ عائشة... قمت... حيَّيْتُهم... وقصدت المغسل... ثم عدت فأنهضت صديقي عثمان، وقدمتـه إلى المغسل أيضا...

هناك عادت إلى مخيلتي ذكريات الأيام الماضية الحلوة حين كنت أقصد بيت صديقي عثمان كل صباح لنصطحب معا إلى المدرسة...

كانت أمه - رحمها الله - توصينا خيرا ببعضنا البعض، ثم لا تدعنا ننصرف حتى تملأ محافظنا طعاما خفيفا... حلوى... كعكا... وفواكه.

كنا فرسي رهان، يسبقني تارة، وأسبقه تارة أخرى... وكان هذا التنافس الحاد يعجب معلمنا فيشجعنا عليـه، ويفخر بنا أمام زملائه المعلمين، وأمام السيد المدير... وكان الجميع يمطروننا بغيث من التشجيعات والجوائز.

وتذكرت الجوائز... كل الجوائز التي حصدتها على مدار السنوات الدراسية احتفظ بها في خزانة الكتب في قسم سميته قسم الجوائز... ماأتعسني! نسيت كل ذلك... صوري... جوائزي... كتبي... نسيتـها في البيت... احترقت... نهبت؟؟ لست أدري... ووجدت نفسي أخطو خارجا.

وأثناني عن اندفاعي صديقي عثمان وهو يسأل :

- إلى أين تريد؟

واحترت بماذا أجيبه؟؟؟ هل أخبره أني عائد إلى قريتنا لأحضر جوائزي وصوري...؟؟ سيضحك مني ويعتبر التصرف عبثا أو ربما سيصر على مرافقتي ليحضر هو أيضا جوائزه... هل أكذب عليـه لأتخلص مما وقعت فيـه؟

وأنقذني من حيرتي وهو يطرح سؤالا آخر.

- قل لي يا محمد، على أي شيء استقر رأي الكبار؟ منذ أن نمت لم أفطن حتى الساعة... كنت متعبا جدا ونمت كالميت تماما تماما.

وباختصار شديد أعلمته حقيقة الهجرة الشاقة المتعبة نحو المجهول فتقبل ذلك بامتعاض شديد ولم يعقب... ثم عدنا حيث الجميع وانـهمكنا في تناول فطورنا... دعانا زوج خالتي إلى الاستعداد... لابد أن نكون رجالا أشداء... إن الرحلة ستكون طويلة شاقة بدون شك... وستكون محفوفة بالمخاطر الجسام... مخاطر الأمراض والصرب وتقلب الطقس... إن الفصل شتاء والبرد شديد والزاد قليل.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:15

وبسرعة ارتدينا ملابسنا وظهرنا في كامل الاستعداد... من هذه اللحظة يجب أن نذبح الطفولة والبراءة... يجب أن نكون رجالا... القوة والصلابة والصرامة هي السبيل إلى نجاتنا وبقائنا أحياء... فلنكن رجالا.

أذَّن الفجر... خرج زوج خالتي وابنه سليمان إلى الجامع، فيما بقينا نحن نرتقب ساعة الانطلاق.

كانت زينب تحاول أن تجمع أكبر قدر ممكن من حوائج البيت... أما خالتي فقد جلست إلى كرسي واتكأت على طاولة تعيش سبحاتها الحزينة، مازالت تبكي... دموعُها نهر عظيم تفجر في عينيها، وليس غريبا عليـها لقد ذكرتُ أن عاطفتها مضطرمة مشبوبه دائما، تشبـه إلى حد بعيد عاطفة والدتي- رحمها الله -

وتلاعبت بين بصري صور المجزرة الرهيبة... دخان ونار وجثث متـهالكة فوق بعضها بالعشرات... هنا رؤوس بلا أجساد... هناك أجساد دون رؤوس... هنالك أجسام عارية وأخرى مكسوة.

وانكمشت على نفسي فزعا وأنا أذكر والدتي تضمنا إليـها في حضنـها الدافئ... وأحسست بالدفء يغمر كامل جسمي.

أيـها الحنان ضمني إليك...

أيـها الشوق ذوبني فيك...

أيتـها الفرحة الراقصة...

يا ألوان القوزح في عيون الأطفال...

يا حلم الثوار الأبطال...

علت شفتي ابتسامة حلوة... تكورت على نفسي... دحوت جسمي كله... وفجأة اندفعت واقفا صارخا وصوت الرصاص يلعلع فوق ظهر أمي فيحفر فيه خنادق للحقد... تتدفق براكين دم يفيض فوق جسدي ساخنا دافئا كالحلم

هرعت إلي خالتي فضمتني إليـها محاولة تـهدئتي

- ولدي العزيز، لا تخف أنا معك.

وتماسكت ثم انفجرت باكيا... كانت عائشة ترقبني في حيرة، وبقربها كان يقف عثمان تمثالا مرمريا ينحدر الدمع من عينـه حبات لؤلؤ.

ولمعت على شاشة ذاكرتي صورة الطفلة الأرنبة أخت عثمان… عسكري ثخين بدين… أصابعه مخالب… أذناه طويلتان… أسنانـه تلمع خارجة بين شفتيـه... أنفه خرطوم ممتد كجذع شجرة مجتثة يابسة... كسن فأس... والمسكينة ذات العام الواحد مقطوعة الرأس محمولة في يده اليمنى من ساقها الأيسر والدم ينزف من رقبتها... هي أرنب... لا بل طفلة... لا بل أرنب... واختلطت الصور أمام عيني تستفز عواطفي... أرنب مسلوخة... وطفلة عارية مقطوعة الرأس.

بدأت الحركة تدب في القرية... وتناهت إلى مسامعنا أصوات جرارات وشاحنات... عجلنا بإخراج الأمتعة... وضعناها في عربة يجرها حصانان... هي كل ما يملك زوج خالتي المزارع البسيط

مازال النـهار لم يسفر عن وجهه لقد كاد يرفع برقع الليل لتتجلي ملامحه...

من هنا...

في هذه اللحظة ستبدأ الرحلة...

الهجرة...

الهروب...

التيـهان...
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:20

سيرسم التاريخ مأساة بشرية أخرى...

رتبنا الأمتعة وأسرعنا نركب... تكومنا جميعا على خشبة العربة إلا خالتي التي كانت تتمسح بالجدران... تتمرغ على الأرض... تعفر وجهها بالتراب في هستيرية وجنون... وحين هرع إليـها زوجها ليأخذها نفرت غزالة شاردة إلى شجرة عالية متعرشة… احتضنتـها وراحت تقبلها... تدخلها قلعة الحب... تجلسها عرش الرباط المقدس... الميثاق الغليظ.

يقال أن هذه الشجرة المباركة قد زرعتـها مع زوجها حين اقترنا… ورعياها معا… يخشيان عليـها هبوب الرياح... ووقع البرد... وحتى النمل حين يتسلق أغصانها وأوراقها... يغسلانها كل عام فننا فننا… ورقة ورقة … برعما برعما.

وها هي ذي شامخة ذات أغصان وأفنان… وذات ورق وثمار… يجمعان كل عام ثمارها… ويأكلون منها شهيا طيبا احتفاء بذكرى الزواج.

وتذكرت الأيام الخوالي حين كنت أجيء مع والدتي لنحضر هذا الاحتفال، ونأكل من ثمار هذه الشجرة المباركة كما تسميـها خالتي.

ووجدتني أتسلل بعيدا عن الجميع اعتلي أكمة صغيرة... ورحت أتطلع بعيني الصغيرتين إلى القرية... إلى مهدي الدافئ حيث نبت لحمي، وأينعت ذكرياتي، وأزهرت آمالي الصغيرة الحلوة.

كانت آخر أردية العتمة قد تهلهلت، وغدت خرقة رثة بالية تهاوت شراشيفها...

وها الفجر راح يمد خيوطه يسعى على الأرض في كبرياء..

وها ملامح القرية تظهر من بعيد عروسا تنام في حضن الجبل، تجللها الأشجار الخضراء الوارفة من كل جهة...

ولم يكن يظهر بجلاء إلا منارة المسجد تشمخ بقامتها، تبكي في حزن رجالا اجتمعوا متطوعين لبنائها ذات صيف وأقاموا عندها حفلا جليلا.

أتصمدين أيتـها المنارة لتبقي شاهدا على أهل القرية؟؟؟ تحكين لكل من يمر بك قصتـهم...

براءتـهم...

جريمة مقتلهم؟ ؟؟

أم أنك ستكتفين برفع الشكوى إلى السماء... ثم تخرين متـهاوية إلى الأرض...

وأحسست بيد كبيرة تمسكني بحنو كبير من ذراعي اليمنى وتجرني إليـها قائلة :

- لا تحزن إنك عائد إليـها يوما.

كان زوج خالتي قد تبعني حيث أنا... كانت ملامحه توحي بالتعب الشديد... تَعِبَ في جمعنا... وتعب في تضميد آلامنا... وتعب أيضا في كبت جرحه النازف...

الرجال لا يبكون من عيونـهم بل من ملامحهم... الرجال لا يبكون دمعا... وإنما يركمون سحابا أسود قاتما على وجوههم.

تكومنا في العربة الخشبية الباردة رغم ما فرشتـه خالتي تحتنا... كان الجميع قد حضر نساء ورجالا... أطفالا وعجزة... اختلطت أصواتـهم مع نباح الكلاب، وثغاء النعاج، وصياح الديكة.

وأعطى الشيخ إشارة الانطلاق فهرع الجميع في صف كبير تاركين قريتـهم وأرضهم وديارهم ميممين شطر المجهول... شطر التشرد والضياع.

كل الرؤوس كانت تتمايل ذات اليمين وذات الشمال... كان الطريق وعرا مليئا بالحفر الصغيرة والحجارة... وكل العيون كانت تعانق خلفها تضاريس القرية تضمخها بأريج المآقي.

دس عثمان رأسه في حضني فضممته إلي وغطيته... لقد فقد هذا المسكين كل شيء ولم يعد له من صدر حنون يتكئ عليه… ولعله لن ينام في حضني… لعل خواطره ستذهب بـه بعيدا بعيدا... إلى أسرته... إلى ذكرياتـه... إلى القرية... إلى المدرسة... إلى مستقبله المظلم المجهول... لست أدري.

أثار فضولي زوج خالتي الذي كان يقود العربة لم يكن ينظر أمامه... كان الحصانان يتبعان الطريق بغريزتـهما... بل يتبعان العربات التي قبلهما...

لم يكن زوج خالتي يقطع بصره خلفه إلى القرية... أليست هي مهده وحضنـه ومنشأه؟؟ أليست هي مغرسه ومعرسه؟؟
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:20

في كل شبر منها شيء من ذكرياته... من آلامه وآماله... ليس أصعب من أن يترك المرء كل ذلك خلفه... لقد انسلخ من عمره... بل انسلخ من أجمل أيام عمره التي يعجز عن إعادتـها فيستحضرها بالذاكرة.

وتركت زوج خالتي لأكتشف أن الجميع قد تعلقت أبصارهم بالقرية في صمت مطبق لا يقطعه إلا أزيز المحركات وصرير العربات.

في المقدمة كان الشيخ ومعه بعض القادرين من الرجال على المشي، كانوا يقطعون المسافة كلها من رأس القافلة إلى آخرها... يعينون من يحتاج إعانة... ويوجهون من يحتاج توجيها... ويبعثون في الجميع الأمل... الأمل الذي لم يجد قلوبا قادرة على احتضانـه... ولا وجوها قادرة إلى إشراقه.

على وجوه الجميع كان الحزن يتربع إمبراطورا جبارا يلسعها بسياط الحيرة والأسى... ومن عيون الجميع كانت تتـهاطل الدموع… دموع متبرجة ودموع متحجبة.

بدأت القافلة الآن تغوص وتتوغل بين الجبال الشامخة… جبال اكتست حلة خضراء من الأشجار الملتفة السامقة… وكللت رؤوسها عمائم بيضاء من الثلج… كانت تظهر كالشيوخ يجلسون في وقار… ماذا تخفي هذه القمم العالية خلفها؟؟ أي سر دفين في أعماق هذه الغابات القاهرة؟ لعل رجال جيش التحرير يتخذون من هذه الأماكن مأمنا وملجأ.

وأحسست بالنشوة والعزة...

مازال في شعبنا الأبي من يقاوم...

وحين نكبر سنقاوم...

وحين يبزغ الأبناء والأحفاد نقاوم...

حتى نسترد عزتنا وكرامتنا.

وخطر في بالي خاطر مفزع، ألا يمكن أن يكون في هذه الغابات أعداؤنا؟؟ وسرت في جسدي قشعريرة وأنا أتخيلهم يباغتوننا... ويعملون فينا أسلحتهم... مخالبهم... أنيابهم...

يقطعون رؤوسنا...

يغتالون الأمل من قلوبنا.

نظرت إلى الجبال... تأملتها... حاولت أن أتنبأ بأسرارها... لا شيء فيها سوى حزن عميق… عميق.

أحسست بحركة غير عادية… تعالت الأصوات محدثة ضجيجا… هتكت ستار الصمت السميك… وقفت داخل العربة… نظرت إلى مقدمة القافلة… لقد اعترض طريقنا جنود مدججون بالأسلحة… وخفق قلبي فزعا !! تراءت لي المخالب والأنياب… والخراطيم المدببة… والآذان الطويلة… والوجوه المكسوة شعرا… ولمحت الشيخ ومن معه من رجال يحثون الخطو نحوهم في غير خوف… وبدأت ملامحهم تتبين لي… كانوا رجالا عاديين من البشر تماما... كيف كنت أتخيلهم على ذلك الشكل المفزع الرهيب؟ لم تكن تظهر على وجوههم علائم الشر... وهدأت نفسي تماما، وأنا أرى الشيخ يعانقهم، ومثله يفعل الرجال...

هؤلاء إذن رجالنا... أبطالنا...

ماأسعدني بملاقاتهم ورؤيتهم!

وشرع الشباب ينفصلون عن القافلة يودعون أهليهم في حرارة وينظمون إلى الجنود حتى شكلوا كوكبة كبيرة... لمحت سليمان يحث الخطى نحو عربتنا، ونزلت خالتي وزينب وبدأ العناق الشديد بينـهما حتى كادوا جميعا يكونون شيئا واحدا.

وحضر زوج خالتي وراح يؤنب زوجتـه في تشجيع لابنـه.

- ابنك رجل يا امرأة، هو الآن أدرك واجبه نحو وطنه وأمته، فلا تحزني ولا تبكي، بل افرحي واسعدي، سليمان مفخرتنا ومفخرة الأمة جمعاء.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:23

ومد سليمان أنامله يكفكف دموع أمه، وهو يقول لأبيـه:

- اهتموا بأنفسكم… طريقنا كلانا سيكون صعبا... محفوفا بالمخاطر... ولكن نهايته ستكون مزروعة بالورود الندية الفواحة

سكت لحظات ثم أردف يقول:

- الله معنا... كل أحرار العالم معنا... لا تخافوا لسنا وحدنا... ارحلوا... ستصلكم رسائلنا وأخبارنا، أينما تكونوا وحيثما تحلوا.

والتحق برفاقه لنصعد العربة حيث كنا، وما هي إلا لحظات حتى انطلقت القافلة من جديد دون أن يبرح الفتية أماكنهم، يرموننا بالحلوى والزهور... ونرميهم نحن بالدعوات، وتلويح الأيادي، والدموع الممزوجة بأفراح الأمل.

استمر سيرنا ذلك اليوم النـهار كله... قطعنا وديانا وجبالا ووهادا وسهولا... كنا نتوقف من حين لآخر يستطلع الدليل الطريق أمامنا ثم يوحي إلينا بمواصلة المسيرة.

الطريق محفوفة بالمخاطر الجسيمة... والأعداء يتربصون بنا في كل مكان، ولعل قنابل قد وضعت تحت التراب في مكان ما، وهي الآن تتربص بنا لتنقض علينا فتغتال ما تبقى في قلوبنا من بسمات وآمال.

الليل الحالك المظلم وحش مفترس يلهث خلف النـهار فيلتـهم أطرافه التـهاما... تعبت البـهائم... وتعبنا نحن أيضا، وزاد عددنا... صرنا أضعافا، لقد انظم إلى القافلة مئات من الفارين شيوخ وعجائز... رجال ونساء... كبار وصغار... اختلفت أعمارهم وأشكالهم، واتفقوا جميعا في ملامح الحزن والأسى التي كانت تعربد فوق الوجوه الشاحبة الصفراء المتعبة.

توقفت القافلة... تفرق الناس فملأوا سفح الجبل المعشوشب الندي... تهالكت العجائز والشيوخ والأطفال يطلبون بشيء من الراحة، لقد أنهكهم السفر.

وشرع القادرون في إعداد أماكن النوم وإشعال النار وتحضير الطعام.

دبت حركة غير عادية... وتعالت ألسنة اللهب ووهيج الجمر... وارتفعت روائح أطعمة مختلفة متنوعة.

انزويت بعيدا بمعية عثمان، ورحت أرقب المشهد بصمت... تذكرت أيام الصيف حيث كنت أقصد والعائلة شواطئ البحر، فنتمتع برماله الذهبية ومياهه الدافئة الناعمة، أو حين نقصد غاباتنا العذراء المفعمة بالعذوبة والفتنة.

وكيف كانت العائلات تلتقي على الطعام الواحد...

ننضجه جميعا...

ونأكله جميعا...

نغني... ونرقص إلى آخر الليل...

ثم ننام لنقوم صباحا...

إن سحر تلك الأماكن لا يقاوم أبدا.

عين الشيخ رجالا للحراسة والتناوب عليـها واجتمع الباقون معه يتسامرون... يتعارفون... ويتحدثون عن واقعهم ومستقبلهم... ويروون قصصا خيالية عن مجازر اقترفها أعداؤنا في حق العزل من العجزة والرضع والنساء خاصة... واقترب منا زوج خالتي فطلب منا أن نذهب للعشاء.

تركنا جمع الرجال، وقطعنا جموع الناس حتى عربتنا... كانت عائشة تنام في حضن أغطية دافئة، بينما جلست خالتي وزينب وفتاة أخرى لم أرها من قبل يتناولن العشاء في صمت... جلست مع عثمان... قدمت خالتي لنا الطعام، فأكلنا وكلي فضول إلى معرفة سر هذه الفتاة... أهي من أبناء القرية قصدت عائلة خالتي للزيارة فحسب؟؟ أم هي من قرى أخرى طوح بها التشريد كما طوح بنا؟؟ ولماذا قصدتنا نحن بالذات إن كان الأمر كذلك؟ وما السر الذي تحمله؟؟
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:25

وهممت أن أسألها عن كل ما دار في خلدي لكني تراجعت وكتمت الأمر في نفسي... ليس كل ما يعلم يقال... كما كان يوصينا معلمنا دائما.

حين اكتفينا من الأكل دعتنا خالتي أن نركن للنوم لقد كان السفر متعبا وإن تعب يوم الغد سيكون أشد.

نظرت إلى عثمان، فهمت من عينه أنه لا يريد النوم، وتلك كانت رغبتي... لابد أن نعود حيث الرجال... يجب أن نستمع منـهم...

كان الجمع قد اكتمل... مئات الرجال والشباب والشيوخ يتبادلون أطراف الحديث مجموعات مجموعات، ومنـهم من انفرد بمذياع راح ينتقل من إذاعة إلى أخرى يسمع آخر الأنباء.

انجذبنا إلى حلقة الشيخ حيث كان زوج خالتي فقعدنا بجانبـه.

ذكر الشيخ أن الشعوب العظيمة هي التي تصمد في الملمات والخطوب، وهذا الأمر الجلل ليس جديدا على شعبنا العظيم، لقد عرف على مر التاريخ والأزمان هزات عنيفة أشد وأنكى من هذه الهزة، وكان دائما يخرج من ذلك منتصرا بفضل الله وبفضل أبنائه المخلصين.

ليس لنا طريق إلا الشهادة أو الانتصار، ومرحى بالاثنين يا إخوتي، ماأحلى الانتصار مضمخا بدماء الشهداء الأباة الرافضين للذل... الرافضين عبودية الإنسان لأخيـه الإنسان… العبودية لا تكون إلا لله.

سيكون الانتصار حليفنا بحول الله مهما اشتد تكالب الظالمين وطغيانـهم، صبرا آل كوسوفا فإن موعدكم النصر.

راحت هذه الجملة تتردد في أذني بينما بدأ النعاس يغشاني… وراح جسدي يتخدر… ورأسي يثقل… تمددت بجوار صديقي عثمان على فخذ زوج خالتي ونمت…
تناهى إلى سمعي وقع أقدام وأصوات وحركات وهمسات تملأ الحجرة... فركت عيني، يظهر أني شبعت نوما هذه المرة... تأملت ساعة الحائط على الضوء الخافت الذي كان ينبعث في استحياء شديد داخل الحجرة كان العقرب الصغير عند مشارف الخامسة، في حين راح الكبير يلهث متسلقا المرتفع ما بين السابعة والثامنة.

خالتي... زوجها... سليمان ابنهما... أخته زينب... كلهم كانوا هناك يعملون... يكومون الأمتعة والأثاث واللباس وسط الحجرة.

أدركت أنـه الرحيل وقد أزفت ساعة الهجرة… من هنا تبدأ… وإلى أين تنتـهي...؟؟ الله أعلم... كل الذي نعلم أنـها مغامرة صعبة سنخوض خلالـها عباب بحر مارد جبار... أين ومتى سترسوا قواربنا؟ لسنا ندري... الأمر موكل للمقادير... الله وحده يعلم غيبنا.

كان الظلام لا يزال يخيم على القرية... ونسمات هواء بارد تتسرب من النافذة التي فتحت قليلا.

اكتشفت أن العيون قد اكتشفت يقظتي، فانسللت من فراشي حتى لا أوقظ عائشة... قمت... حيَّيْتُهم... وقصدت المغسل... ثم عدت فأنهضت صديقي عثمان، وقدمتـه إلى المغسل أيضا...

هناك عادت إلى مخيلتي ذكريات الأيام الماضية الحلوة حين كنت أقصد بيت صديقي عثمان كل صباح لنصطحب معا إلى المدرسة...

كانت أمه - رحمها الله - توصينا خيرا ببعضنا البعض، ثم لا تدعنا ننصرف حتى تملأ محافظنا طعاما خفيفا... حلوى... كعكا... وفواكه.

كنا فرسي رهان، يسبقني تارة، وأسبقه تارة أخرى... وكان هذا التنافس الحاد يعجب معلمنا فيشجعنا عليـه، ويفخر بنا أمام زملائه المعلمين، وأمام السيد المدير... وكان الجميع يمطروننا بغيث من التشجيعات والجوائز.

وتذكرت الجوائز... كل الجوائز التي حصدتها على مدار السنوات الدراسية احتفظ بها في خزانة الكتب في قسم سميته قسم الجوائز... ماأتعسني! نسيت كل ذلك... صوري... جوائزي... كتبي... نسيتـها في البيت... احترقت... نهبت؟؟ لست أدري... ووجدت نفسي أخطو خارجا.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:25

وأثناني عن اندفاعي صديقي عثمان وهو يسأل :

- إلى أين تريد؟

واحترت بماذا أجيبه؟؟؟ هل أخبره أني عائد إلى قريتنا لأحضر جوائزي وصوري...؟؟ سيضحك مني ويعتبر التصرف عبثا أو ربما سيصر على مرافقتي ليحضر هو أيضا جوائزه... هل أكذب عليـه لأتخلص مما وقعت فيـه؟

وأنقذني من حيرتي وهو يطرح سؤالا آخر.

- قل لي يا محمد، على أي شيء استقر رأي الكبار؟ منذ أن نمت لم أفطن حتى الساعة... كنت متعبا جدا ونمت كالميت تماما تماما.

وباختصار شديد أعلمته حقيقة الهجرة الشاقة المتعبة نحو المجهول فتقبل ذلك بامتعاض شديد ولم يعقب... ثم عدنا حيث الجميع وانـهمكنا في تناول فطورنا... دعانا زوج خالتي إلى الاستعداد... لابد أن نكون رجالا أشداء... إن الرحلة ستكون طويلة شاقة بدون شك... وستكون محفوفة بالمخاطر الجسام... مخاطر الأمراض والصرب وتقلب الطقس... إن الفصل شتاء والبرد شديد والزاد قليل.

وبسرعة ارتدينا ملابسنا وظهرنا في كامل الاستعداد... من هذه اللحظة يجب أن نذبح الطفولة والبراءة... يجب أن نكون رجالا... القوة والصلابة والصرامة هي السبيل إلى نجاتنا وبقائنا أحياء... فلنكن رجالا.

أذَّن الفجر... خرج زوج خالتي وابنه سليمان إلى الجامع، فيما بقينا نحن نرتقب ساعة الانطلاق.

كانت زينب تحاول أن تجمع أكبر قدر ممكن من حوائج البيت... أما خالتي فقد جلست إلى كرسي واتكأت على طاولة تعيش سبحاتها الحزينة، مازالت تبكي... دموعُها نهر عظيم تفجر في عينيها، وليس غريبا عليـها لقد ذكرتُ أن عاطفتها مضطرمة مشبوبه دائما، تشبـه إلى حد بعيد عاطفة والدتي- رحمها الله -

وتلاعبت بين بصري صور المجزرة الرهيبة... دخان ونار وجثث متـهالكة فوق بعضها بالعشرات... هنا رؤوس بلا أجساد... هناك أجساد دون رؤوس... هنالك أجسام عارية وأخرى مكسوة.

وانكمشت على نفسي فزعا وأنا أذكر والدتي تضمنا إليـها في حضنـها الدافئ... وأحسست بالدفء يغمر كامل جسمي.

أيـها الحنان ضمني إليك...

أيـها الشوق ذوبني فيك...

أيتـها الفرحة الراقصة...

يا ألوان القوزح في عيون الأطفال...

يا حلم الثوار الأبطال...

علت شفتي ابتسامة حلوة... تكورت على نفسي... دحوت جسمي كله... وفجأة اندفعت واقفا صارخا وصوت الرصاص يلعلع فوق ظهر أمي فيحفر فيه خنادق للحقد... تتدفق براكين دم يفيض فوق جسدي ساخنا دافئا كالحلم

هرعت إلي خالتي فضمتني إليـها محاولة تـهدئتي

- ولدي العزيز، لا تخف أنا معك.

وتماسكت ثم انفجرت باكيا... كانت عائشة ترقبني في حيرة، وبقربها كان يقف عثمان تمثالا مرمريا ينحدر الدمع من عينـه حبات لؤلؤ.

ولمعت على شاشة ذاكرتي صورة الطفلة الأرنبة أخت عثمان… عسكري ثخين بدين… أصابعه مخالب… أذناه طويلتان… أسنانـه تلمع خارجة بين شفتيـه... أنفه خرطوم ممتد كجذع شجرة مجتثة يابسة... كسن فأس... والمسكينة ذات العام الواحد مقطوعة الرأس محمولة في يده اليمنى من ساقها الأيسر والدم ينزف من رقبتها... هي أرنب... لا بل طفلة... لا بل أرنب... واختلطت الصور أمام عيني تستفز عواطفي... أرنب مسلوخة... وطفلة عارية مقطوعة الرأس.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:27

بدأت الحركة تدب في القرية... وتناهت إلى مسامعنا أصوات جرارات وشاحنات... عجلنا بإخراج الأمتعة... وضعناها في عربة يجرها حصانان... هي كل ما يملك زوج خالتي المزارع البسيط

مازال النـهار لم يسفر عن وجهه لقد كاد يرفع برقع الليل لتتجلي ملامحه...

من هنا...

في هذه اللحظة ستبدأ الرحلة...

الهجرة...

الهروب...

التيـهان...

سيرسم التاريخ مأساة بشرية أخرى...

رتبنا الأمتعة وأسرعنا نركب... تكومنا جميعا على خشبة العربة إلا خالتي التي كانت تتمسح بالجدران... تتمرغ على الأرض... تعفر وجهها بالتراب في هستيرية وجنون... وحين هرع إليـها زوجها ليأخذها نفرت غزالة شاردة إلى شجرة عالية متعرشة… احتضنتـها وراحت تقبلها... تدخلها قلعة الحب... تجلسها عرش الرباط المقدس... الميثاق الغليظ.

يقال أن هذه الشجرة المباركة قد زرعتـها مع زوجها حين اقترنا… ورعياها معا… يخشيان عليـها هبوب الرياح... ووقع البرد... وحتى النمل حين يتسلق أغصانها وأوراقها... يغسلانها كل عام فننا فننا… ورقة ورقة … برعما برعما.

وها هي ذي شامخة ذات أغصان وأفنان… وذات ورق وثمار… يجمعان كل عام ثمارها… ويأكلون منها شهيا طيبا احتفاء بذكرى الزواج.

وتذكرت الأيام الخوالي حين كنت أجيء مع والدتي لنحضر هذا الاحتفال، ونأكل من ثمار هذه الشجرة المباركة كما تسميـها خالتي.

ووجدتني أتسلل بعيدا عن الجميع اعتلي أكمة صغيرة... ورحت أتطلع بعيني الصغيرتين إلى القرية... إلى مهدي الدافئ حيث نبت لحمي، وأينعت ذكرياتي، وأزهرت آمالي الصغيرة الحلوة.

كانت آخر أردية العتمة قد تهلهلت، وغدت خرقة رثة بالية تهاوت شراشيفها...

وها الفجر راح يمد خيوطه يسعى على الأرض في كبرياء..

وها ملامح القرية تظهر من بعيد عروسا تنام في حضن الجبل، تجللها الأشجار الخضراء الوارفة من كل جهة...

ولم يكن يظهر بجلاء إلا منارة المسجد تشمخ بقامتها، تبكي في حزن رجالا اجتمعوا متطوعين لبنائها ذات صيف وأقاموا عندها حفلا جليلا.

أتصمدين أيتـها المنارة لتبقي شاهدا على أهل القرية؟؟؟ تحكين لكل من يمر بك قصتـهم...

براءتـهم...

جريمة مقتلهم؟ ؟؟

أم أنك ستكتفين برفع الشكوى إلى السماء... ثم تخرين متـهاوية إلى الأرض...

وأحسست بيد كبيرة تمسكني بحنو كبير من ذراعي اليمنى وتجرني إليـها قائلة :

- لا تحزن إنك عائد إليـها يوما.

كان زوج خالتي قد تبعني حيث أنا... كانت ملامحه توحي بالتعب الشديد... تَعِبَ في جمعنا... وتعب في تضميد آلامنا... وتعب أيضا في كبت جرحه النازف...

الرجال لا يبكون من عيونـهم بل من ملامحهم... الرجال لا يبكون دمعا... وإنما يركمون سحابا أسود قاتما على وجوههم.

تكومنا في العربة الخشبية الباردة رغم ما فرشتـه خالتي تحتنا... كان الجميع قد حضر نساء ورجالا... أطفالا وعجزة... اختلطت أصواتـهم مع نباح الكلاب، وثغاء النعاج، وصياح الديكة.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:28

وأعطى الشيخ إشارة الانطلاق فهرع الجميع في صف كبير تاركين قريتـهم وأرضهم وديارهم ميممين شطر المجهول... شطر التشرد والضياع.

كل الرؤوس كانت تتمايل ذات اليمين وذات الشمال... كان الطريق وعرا مليئا بالحفر الصغيرة والحجارة... وكل العيون كانت تعانق خلفها تضاريس القرية تضمخها بأريج المآقي.

دس عثمان رأسه في حضني فضممته إلي وغطيته... لقد فقد هذا المسكين كل شيء ولم يعد له من صدر حنون يتكئ عليه… ولعله لن ينام في حضني… لعل خواطره ستذهب بـه بعيدا بعيدا... إلى أسرته... إلى ذكرياتـه... إلى القرية... إلى المدرسة... إلى مستقبله المظلم المجهول... لست أدري.

أثار فضولي زوج خالتي الذي كان يقود العربة لم يكن ينظر أمامه... كان الحصانان يتبعان الطريق بغريزتـهما... بل يتبعان العربات التي قبلهما...

لم يكن زوج خالتي يقطع بصره خلفه إلى القرية... أليست هي مهده وحضنـه ومنشأه؟؟ أليست هي مغرسه ومعرسه؟؟

في كل شبر منها شيء من ذكرياته... من آلامه وآماله... ليس أصعب من أن يترك المرء كل ذلك خلفه... لقد انسلخ من عمره... بل انسلخ من أجمل أيام عمره التي يعجز عن إعادتـها فيستحضرها بالذاكرة.

وتركت زوج خالتي لأكتشف أن الجميع قد تعلقت أبصارهم بالقرية في صمت مطبق لا يقطعه إلا أزيز المحركات وصرير العربات.

في المقدمة كان الشيخ ومعه بعض القادرين من الرجال على المشي، كانوا يقطعون المسافة كلها من رأس القافلة إلى آخرها... يعينون من يحتاج إعانة... ويوجهون من يحتاج توجيها... ويبعثون في الجميع الأمل... الأمل الذي لم يجد قلوبا قادرة على احتضانـه... ولا وجوها قادرة إلى إشراقه.

على وجوه الجميع كان الحزن يتربع إمبراطورا جبارا يلسعها بسياط الحيرة والأسى... ومن عيون الجميع كانت تتـهاطل الدموع… دموع متبرجة ودموع متحجبة.

بدأت القافلة الآن تغوص وتتوغل بين الجبال الشامخة… جبال اكتست حلة خضراء من الأشجار الملتفة السامقة… وكللت رؤوسها عمائم بيضاء من الثلج… كانت تظهر كالشيوخ يجلسون في وقار… ماذا تخفي هذه القمم العالية خلفها؟؟ أي سر دفين في أعماق هذه الغابات القاهرة؟ لعل رجال جيش التحرير يتخذون من هذه الأماكن مأمنا وملجأ.

وأحسست بالنشوة والعزة...

مازال في شعبنا الأبي من يقاوم...

وحين نكبر سنقاوم...

وحين يبزغ الأبناء والأحفاد نقاوم...

حتى نسترد عزتنا وكرامتنا.

وخطر في بالي خاطر مفزع، ألا يمكن أن يكون في هذه الغابات أعداؤنا؟؟ وسرت في جسدي قشعريرة وأنا أتخيلهم يباغتوننا... ويعملون فينا أسلحتهم... مخالبهم... أنيابهم...

يقطعون رؤوسنا...

يغتالون الأمل من قلوبنا.

نظرت إلى الجبال... تأملتها... حاولت أن أتنبأ بأسرارها... لا شيء فيها سوى حزن عميق… عميق.

أحسست بحركة غير عادية… تعالت الأصوات محدثة ضجيجا… هتكت ستار الصمت السميك… وقفت داخل العربة… نظرت إلى مقدمة القافلة… لقد اعترض طريقنا جنود مدججون بالأسلحة… وخفق قلبي فزعا !! تراءت لي المخالب والأنياب… والخراطيم المدببة… والآذان الطويلة… والوجوه المكسوة شعرا… ولمحت الشيخ ومن معه من رجال يحثون الخطو نحوهم في غير خوف… وبدأت ملامحهم تتبين لي… كانوا رجالا عاديين من البشر تماما... كيف كنت أتخيلهم على ذلك الشكل المفزع الرهيب؟ لم تكن تظهر على وجوههم علائم الشر... وهدأت نفسي تماما، وأنا أرى الشيخ يعانقهم، ومثله يفعل الرجال...
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:30

هؤلاء إذن رجالنا... أبطالنا...

ماأسعدني بملاقاتهم ورؤيتهم!

وشرع الشباب ينفصلون عن القافلة يودعون أهليهم في حرارة وينظمون إلى الجنود حتى شكلوا كوكبة كبيرة... لمحت سليمان يحث الخطى نحو عربتنا، ونزلت خالتي وزينب وبدأ العناق الشديد بينـهما حتى كادوا جميعا يكونون شيئا واحدا.

وحضر زوج خالتي وراح يؤنب زوجتـه في تشجيع لابنـه.

- ابنك رجل يا امرأة، هو الآن أدرك واجبه نحو وطنه وأمته، فلا تحزني ولا تبكي، بل افرحي واسعدي، سليمان مفخرتنا ومفخرة الأمة جمعاء.

ومد سليمان أنامله يكفكف دموع أمه، وهو يقول لأبيـه:

- اهتموا بأنفسكم… طريقنا كلانا سيكون صعبا... محفوفا بالمخاطر... ولكن نهايته ستكون مزروعة بالورود الندية الفواحة

سكت لحظات ثم أردف يقول:

- الله معنا... كل أحرار العالم معنا... لا تخافوا لسنا وحدنا... ارحلوا... ستصلكم رسائلنا وأخبارنا، أينما تكونوا وحيثما تحلوا.

والتحق برفاقه لنصعد العربة حيث كنا، وما هي إلا لحظات حتى انطلقت القافلة من جديد دون أن يبرح الفتية أماكنهم، يرموننا بالحلوى والزهور... ونرميهم نحن بالدعوات، وتلويح الأيادي، والدموع الممزوجة بأفراح الأمل.

استمر سيرنا ذلك اليوم النـهار كله... قطعنا وديانا وجبالا ووهادا وسهولا... كنا نتوقف من حين لآخر يستطلع الدليل الطريق أمامنا ثم يوحي إلينا بمواصلة المسيرة.

الطريق محفوفة بالمخاطر الجسيمة... والأعداء يتربصون بنا في كل مكان، ولعل قنابل قد وضعت تحت التراب في مكان ما، وهي الآن تتربص بنا لتنقض علينا فتغتال ما تبقى في قلوبنا من بسمات وآمال.

الليل الحالك المظلم وحش مفترس يلهث خلف النـهار فيلتـهم أطرافه التـهاما... تعبت البـهائم... وتعبنا نحن أيضا، وزاد عددنا... صرنا أضعافا، لقد انظم إلى القافلة مئات من الفارين شيوخ وعجائز... رجال ونساء... كبار وصغار... اختلفت أعمارهم وأشكالهم، واتفقوا جميعا في ملامح الحزن والأسى التي كانت تعربد فوق الوجوه الشاحبة الصفراء المتعبة.

توقفت القافلة... تفرق الناس فملأوا سفح الجبل المعشوشب الندي... تهالكت العجائز والشيوخ والأطفال يطلبون بشيء من الراحة، لقد أنهكهم السفر.

وشرع القادرون في إعداد أماكن النوم وإشعال النار وتحضير الطعام.

دبت حركة غير عادية... وتعالت ألسنة اللهب ووهيج الجمر... وارتفعت روائح أطعمة مختلفة متنوعة.

انزويت بعيدا بمعية عثمان، ورحت أرقب المشهد بصمت... تذكرت أيام الصيف حيث كنت أقصد والعائلة شواطئ البحر، فنتمتع برماله الذهبية ومياهه الدافئة الناعمة، أو حين نقصد غاباتنا العذراء المفعمة بالعذوبة والفتنة.

وكيف كانت العائلات تلتقي على الطعام الواحد...

ننضجه جميعا...

ونأكله جميعا...

نغني... ونرقص إلى آخر الليل...

ثم ننام لنقوم صباحا...

إن سحر تلك الأماكن لا يقاوم أبدا.
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

&&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Empty رد: &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&&

مُساهمة من طرف hamza28 الأربعاء 24 يونيو - 15:32

عين الشيخ رجالا للحراسة والتناوب عليـها واجتمع الباقون معه يتسامرون... يتعارفون... ويتحدثون عن واقعهم ومستقبلهم... ويروون قصصا خيالية عن مجازر اقترفها أعداؤنا في حق العزل من العجزة والرضع والنساء خاصة... واقترب منا زوج خالتي فطلب منا أن نذهب للعشاء.

تركنا جمع الرجال، وقطعنا جموع الناس حتى عربتنا... كانت عائشة تنام في حضن أغطية دافئة، بينما جلست خالتي وزينب وفتاة أخرى لم أرها من قبل يتناولن العشاء في صمت... جلست مع عثمان... قدمت خالتي لنا الطعام، فأكلنا وكلي فضول إلى معرفة سر هذه الفتاة... أهي من أبناء القرية قصدت عائلة خالتي للزيارة فحسب؟؟ أم هي من قرى أخرى طوح بها التشريد كما طوح بنا؟؟ ولماذا قصدتنا نحن بالذات إن كان الأمر كذلك؟ وما السر الذي تحمله؟؟

وهممت أن أسألها عن كل ما دار في خلدي لكني تراجعت وكتمت الأمر في نفسي... ليس كل ما يعلم يقال... كما كان يوصينا معلمنا دائما.

حين اكتفينا من الأكل دعتنا خالتي أن نركن للنوم لقد كان السفر متعبا وإن تعب يوم الغد سيكون أشد.

نظرت إلى عثمان، فهمت من عينه أنه لا يريد النوم، وتلك كانت رغبتي... لابد أن نعود حيث الرجال... يجب أن نستمع منـهم...

كان الجمع قد اكتمل... مئات الرجال والشباب والشيوخ يتبادلون أطراف الحديث مجموعات مجموعات، ومنـهم من انفرد بمذياع راح ينتقل من إذاعة إلى أخرى يسمع آخر الأنباء.

انجذبنا إلى حلقة الشيخ حيث كان زوج خالتي فقعدنا بجانبـه.

ذكر الشيخ أن الشعوب العظيمة هي التي تصمد في الملمات والخطوب، وهذا الأمر الجلل ليس جديدا على شعبنا العظيم، لقد عرف على مر التاريخ والأزمان هزات عنيفة أشد وأنكى من هذه الهزة، وكان دائما يخرج من ذلك منتصرا بفضل الله وبفضل أبنائه المخلصين.

ليس لنا طريق إلا الشهادة أو الانتصار، ومرحى بالاثنين يا إخوتي، ماأحلى الانتصار مضمخا بدماء الشهداء الأباة الرافضين للذل... الرافضين عبودية الإنسان لأخيـه الإنسان… العبودية لا تكون إلا لله.

سيكون الانتصار حليفنا بحول الله مهما اشتد تكالب الظالمين وطغيانـهم، صبرا آل كوسوفا فإن موعدكم النصر.

راحت هذه الجملة تتردد في أذني بينما بدأ النعاس يغشاني… وراح جسدي يتخدر… ورأسي يثقل… تمددت بجوار صديقي عثمان على فخذ زوج خالتي ونمت…
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : &&& الفراشات والغيلان ــ عز الدين جلاوجي &&& Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 1 من اصل 2 1, 2  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى