برهوم يا حبيبة
مرحبا بك عزيزي الزائر.
إن كنت مسجلا فشرفنا بالدخول.
وإن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه
معنا في منتدى الشهاب البرهومي
وشكرا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

برهوم يا حبيبة
مرحبا بك عزيزي الزائر.
إن كنت مسجلا فشرفنا بالدخول.
وإن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه
معنا في منتدى الشهاب البرهومي
وشكرا
برهوم يا حبيبة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
دخول

لقد نسيت كلمة السر

المواضيع الأخيرة
» رسالةالماجستيرللطالبة قطوش حورية
زهرة في الرمال I_icon_minitimeالإثنين 25 مارس - 13:52 من طرف قطوش ادريس

» أكبر معدل في ش ت م 19.88تحصلت عليه وصال تباني من عين الخضراء-مسيلة.
زهرة في الرمال I_icon_minitimeالأربعاء 29 يونيو - 16:28 من طرف البرهومي

» الجائزة الثانية على مستوى الولاية لتلميذ برهومي
زهرة في الرمال I_icon_minitimeالأربعاء 25 نوفمبر - 12:18 من طرف امل

» هل من مرحب
زهرة في الرمال I_icon_minitimeالجمعة 17 يوليو - 1:22 من طرف Numidia

» عيد سعيد للجمييييع
زهرة في الرمال I_icon_minitimeالجمعة 17 يوليو - 1:19 من طرف Numidia

» افتراضي ظهور قناة الارث النبوي على Eutelsat 7 West A @ 7° West
زهرة في الرمال I_icon_minitimeالجمعة 17 يوليو - 1:14 من طرف Numidia

» اقبل قبل فوات الاوان
زهرة في الرمال I_icon_minitimeالسبت 5 يوليو - 14:33 من طرف شهاب2008

» موضوع مهم ...
زهرة في الرمال I_icon_minitimeالسبت 5 يوليو - 14:30 من طرف شهاب2008

» حوار هادف بين البنات و الشباب****هام للمشاركة........... ارجو التفاعل
زهرة في الرمال I_icon_minitimeالثلاثاء 13 مايو - 19:38 من طرف خالد المرفدي

تصويت
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 3 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 3 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 197 بتاريخ الإثنين 1 أغسطس - 1:01

.: عدد زوار المنتدى :.

المصحف الكامل
جرائد اليوم






زهرة في الرمال

اذهب الى الأسفل

زهرة في الرمال Empty زهرة في الرمال

مُساهمة من طرف hamza28 الأحد 5 يوليو - 11:23

أسندتُ رأسي إلى وسادة ملأى بالذكريات، والشحنات المتجمّدة في سواقٍ شرَّدها الجفاف، وقهرتها فؤوس الفلاحين، وشوَّهت فضاءاتها "كاسيتات" المطربين، وفضحت أسرارنا الهمسات والرغبات والوصايا، فنضبت مياه الذاكرة، غارت في حَلْق الأرض، ونسيت محبَّتنا وعشقنا لها ولدروبها.‏

كنتُ ألتقط شذرات باردة، حمقاء، تعصف بلوثات النسيان. وحينما تحضر أمامي صورة وجهها، وتتراقص بغضب تعابيره المتأفّفة، تصعب عليَّ قراءة سرّ أنفها الصغير، وسفحيه المنحدرين إلى غمَّازتيها. أنف صغير شامخ، أبيّ، يرتفع قليلاً نحو الأعلى، فتسمو به ومضة جمالية متأهّبة للانقضاض في أيّة لحظة انسيابية على غُصن مقاوم، لكنّه سَرْعان ما ينحني بخشوع.‏

حاولتُ ممارسة سياسة الإقناع بمبدأ الحوار، الذي قرأت عنه في الصحف والبيانات. حاولتُ أن أتلو عليها أسئلتي بطريقة سرية جدّاً. وعندما تكتشف ما كنت أُخبّئه، تهزّ كتفيها، غير راضية عن هذا الإعلان. كانت تقول: (كلَّما وجدتُ الوقت المناسب، أخرج معك إلى شارع الصمت). تُطلق رأيها، تبدو في جمال هدوئها رائعة، ساخنة. أخاف عليها من نسمة باردة تلفح وجهها، وتقهر أنفاسها الدافئة، المتصابية.‏

أقرأ في نفسي قدرتها على التضحية. أعلم أنَّها لا تحرم نفسها من إغفاءة بعد الظهيرة التي لا تُضّحي بها إلاَّ عندما أُهاتفها، فتُسرُّ، وينتفخ وجهها، ويلمع، يُصْدر تموجات مغناطيسية، تجذبني نحوها، فأقيّد الوجع الدَّاخلي، أتأبَّط ذراعها، ونمشي في أقرب شارع يطمئنها على ذكريات طفولتها ومراهقتها، تحت زخَّات المطر. تلتصق بجسدي كلّما حاولت الريح دفعنا إلى الخلف.‏

قالت: أكره الحوار مع الرجال.‏

قلت: لماذا؟‏

أجابت: لأنَّه لا يهمُّني! ولست مسؤولة عن فشل الحوارات.‏

هذا مبدأ العصر، و"موضة" جديدة ملأت البيوت والمؤسسات والإعلانات والصحف والمنتديات.‏

كلّ جنس يتحاور مع جنسه... هذا التقابل بين الذكورة والأنوثة، هو تلاقٍ بين جسدين ولذتين فقط، فاترك رؤوسنا فارغة، ولا تُحمّلني أكثر من قدرتي.‏

توقفتُ عن الهذر. صممتُ أن أُلغي هذا اللغط الاستهلاكي، رغم إيماني الكُلّي بأنّهُ أقصر الطُرق لتحريك العقل، ونقل كلّ ما يختفي من الدَّاخل إلى الخارج، ودون أدنى شكّ بشفافية عصرنا.‏

هزَّتْ رأسها رافضة بقوّة استمراري بالكلام. وكلَّما حاولتْ الإفلات من يدي، شددتُها نحوي، فتبتسم راضية، ويخرج زفير أنفاسنا الشتائي متهالكاً. أفرح لأنَّ حرارة الحوار تلاشت، وخفَّ توهّجه، بعد أن ردعتني بأجوبتها، فانخفض منسوب الكلام إلى أدناه، وارتفع جبل الصمت، وتسلَّقت ضحكاتنا دروبه الصخرية، بينما كُنَّا نفتّش عن طاولة في أول "كافتريا" قبل أن ينعطف بنا الشارع إلى جهة أخرى.‏

كعادتي أزحت الكرسي، وكان آخر ما أملك من طقوس الذَّوق والاحترام، فأحسَّتْ بالكبرياء والنشوة. تحوّلتُ بعد أن تقابلنا حول الطاولة إلى رجل بليد. خبَّأت الكلام الجميل، ربّما كنتُ أحوج في هذه الساعة إلى مراجعة لنظريتي "المستوردة" التي عَبرت الحدود واجتازت كلّ المخافر ونقاط التفتيش.‏

كانت أمل تحترق ببطءٍ، وهي المتشوّفة، الغيورة. وبين لحظتي صمت وقهر، كنت أُعيد النظر إلى أنفها، وتحضر أمامي أنوف عائلتها، وما أعرفه من أعمامها وأخوالها.‏

توصلتُ في النهاية إلى أنَّ أمل ورثت أنفها من عمّها، علماً أنّها تعرفه بالصورة، فهاجر الرجل وهي طفلة، لا تتذكّر إلاَّ أنّه كان مديراً لأحد المصارف، وقرأت الخبر المنشور في صحيفة محلية، لا يزال والدها يحتفظ بها. وعندما كبرت، وأصبحت في الجامعة، في قسم اللغة الإنكليزية، تفهَّمت ما يدور حولها، وهي ابنة الموظف البسيط في شركة "الكبلات".‏

عادت ذاكرتها تتحرَّك في دائرة واسعة. لعنت ساعة التخرّج والتدريس وهذا الانسحاق أمام موجة عارمة من القرف والضياع والتقهقر الروحي‏

بين الناس.‏

كانت كلّما دار الحوار بينها وبين زملائها، قبيل الولوج إلى المدرَّج، تفطن بذكاء، تستمع بإصغاء إلى عُمر الذي ينطّط مفاتيح السّيارة في كفّه.‏

تتذكّر سهام صديقتها الوديعة التي انقلبت بين ليلة وضحاها إلى فتاة أخرى. رفعتْ أمل رأسها. ارتشفت قهوتها، رفعتُ رأسي، وارتشفتُ أيضاً ما تبقّى في فنجان القهوة. تقابل الوجهان في هذا الفضاء الضيّق، وفي هذا الزمن المقتطع من مشوارنا، ومن حياتنا، الذي ينبغي أن نستثمر كلّ دقيقة منه.‏

تنفَّستْ أمل بعمق. خرجت من صمتها. تأفّفت كأنَّها تُمثّل مشهداً. وتعتصر ذكرياتها، بينما كنتُ أفتح لها درباً للحكي.‏

سألتها: هل تريدين أن تأكلي أيَّ شيء يُذوّب المرارة، ويرطب حلقك؟‏

لم تكترث لسؤالي. قالت: سأبدأ أولاً ولو أنّني ضلع من أضلاعك، علماً أنَّها، تعرف أنَّ الكذبَ والغشَّ صديقان قديمان، يعودان إلى مستنقع آسن، وكلّما انتهى عقد الصداقة بينهما، يجدّدانه على ورق أبيض ناصع، وحبر من هذا العصر، يُطلق عليه أصحابه "العقد الاجتماعي". ووصل الأمر أنَّ الكذب تحوَّل إلى عادة جميلة، يكتسبها الناس بالتدريج، وتغلِّف الصِّدق بقشور الجوز، وتعفَّن. وكلَّما كسرت غلافاً، ولامس الصِّدق الهواء، تفتَّت قطعاً ونتفاً صغيرة، وتبعثر على الأرض كالبذار، والناس ينتظرون المواسم، والجفاف يزداد، وتنحبس الأمطار، وتتقلَّص الفصول، وتتبدَّل النفوس. وهذه التحوّلات والانقسامات والاصطفافات، هي من صناعتنا، ولم تأتِ عبر الحدود. وبالعكس كلَّما ازداد الكذب، وغاب الصّدق، تراجعت الحقيقة، وذبلت أوراق الحُبّ. وتقابلت الأغصان المُحمَّلة بثمار، تُحقن بالإبر كي تنتفخ، وتتحوَّل بقدرة قادر إلى أصناف من الدرجة الأولى، يصفُّها الباعة في الواجهات، ويرتِّبونها حبَّة حبَّة، وهكذا إنسان هذه الأيام، لا تعرف كذبه من صِدْقه. فعندما يكذب الموظف أمام مديره، يفرح المدير، لأنّه يكذب أمام رئيسه.‏

وكان عمّي رجلاً كذَّاباً من الدرجة الممتازة، وهو الحاصل على إجازة في إدارة الأعمال من جامعة دمشق منذ ربع قرن، وهو الذي كذب على أبي، ودفعه إلى العمل مُبكّراً بعد حصوله على الشهادة الثانوية العامة، في معمل "الكبلات"، وكان يقدّم لـه كل ما يحتاج إليه من كتب وثياب ومصروف، مُطْمئناً أنّه سيقابله بالمثل، ويُعطيه مقابل ذلك حصَّته من الأرض.‏

فرح والدي لأنّه سيصبح مالكاً، فهو رجل يحبّ الأرض، وهو الذي وقف في وجه جدّي عندما همَّ ببيعها. مات جدي، وبقيت الأرض، ثمَّ فقدها بلحظة ابتهاج، فباعها عمّي ليكمل دراسته في أوربا. وكان قد حوَّل ثلاثة ملايين ليرة من المصرف التجاري الذي يعمل فيه مديراً إلى أحد البنوك الأوربية.‏
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : زهرة في الرمال Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

زهرة في الرمال Empty رد: زهرة في الرمال

مُساهمة من طرف hamza28 الأحد 5 يوليو - 11:27

وجَّهتْ أمل سؤالها قائلة: كيف أبدأ الحوار معك؟ الآن أريد أن أحاورك. أريد أن أعرف مصيري ومصيرك في أجواء تتفحَّم وتزداد غَلَساً ورعونةً.‏

قلت لها: فكرة واحدة أثارتك إلى هذه الدرجة، لكن أشكرك لأنَّك أعطيتني فرصة صغيرة، أو أنَّكِ فتحتِ كوّة في جدار العبث، وغليان النفوس، وعدم القدرة على إصلاح ما خرَّبه عمُّكِ، وكيف استطاع خلط الأوراق مع والدك، والنفاذ عبر مسامات الكذب. وتحيَّن كلّ الفُرص للفوز به وقهره وتركه ينتظر مشاريع المستقبل التي وعده بها... وتركه يتخبَّط في أحلامه.‏

كيف تراني أتحاور معكَ على بناء كذبة جديدة‍! ألا ترى أنَّ كلَّ السلال مملوءة بالفواكه والخضار المغشوشة‍! ألا ترى أنَّ أجمل التفّاحات وأكبرها تغطّي وجه الصندوق هذا هو الظاهر، المكشوف، وما يختفي تحت أفكارنا الجميلة، كالتفَّاح المصاب بالجرب، فأفسده السَّماد والدّواء، وكبَّر أحجامه، وخلَّصه من المذاق اللَّذيذ.‏

مذاقاتنا وأفكارنا أصبحت مهووسة بالكلام، في ظلّ فراغ الأمكنة التي أخلاها الصِّدق، وعدم الأمان لهذا الزمان، وما يعتريه من شرذمة وعزلة ويَباس.‏

لا تعرف أمل أنّني شاب مشتّت الأفكار، تتنازعني في مدٍّ وجزر أمواج صاخبة، فأعتلي موجة، وتهبط أخرى إلى القيعان. ورغم ارتطامها بالشاطئ، لا أصحو من وهج القرف الحاصل في كلّ شيء. فالهواء أُفْسِدَ، وزحف الأسمنت، والتهمَ جمال المدينة. لم أعد أملك القدرة على استيعاب هذه الدفاتر المخزونة في ذاكرة عائلتك، فتثلَّج صدري، وانغسلت مسامات يدي بعرق يدك.‏

انتفضتْ أمل، وسحبت يدها كأنَّ نَحْلة لسعتها، أو أنَّ أصابعي اللَّجوجة نتفت أرياش إلحاحها المتعاظم، فرشقتها بابتسامة، لأنّني أعرف أنّها تحبّ الابتسامات الخفيفة اللّماحة، وتكره الخشونة.... تعرف مهنتي طبعاً، فما زلنا منذ ثلاث سنوات نُدرِّس في الثانوية نفسها، وشدَّنا خيط التقارب إلى هذا الانسجام الذي يُغطي يومنا ويظهر عدم الانسجام أحياناً، حينما نختلف على قضايا أعدُّها كبيرة. أمّا الأمور الصغيرة، إذا توقفتُ عندها، فسَرْعان ما ننساها بعد فنجان قهوة "سادة". دائماً كانت تؤكّد على مظهري الخارجي. وكنتُ أُراعي شعورها، وأوافق على الألوان التي تختارها. وهذا أحد أبرز نقاط التقاطع والتلاقي والانسجام بيننا. وكانت تتقبّل مشورتي واقتراحاتي، بتبديل أحمر الشفاه، أو لون الحذاء والشَّال، وموديل الثياب، والتخفيف من وزنها، لتظهر أناقتها، ورشاقتها أكثر.‏

وفي هذا اللقاء الذي تكرَّر كثيراً، بخاصة في أماسي العُطل الأسبوعية والرسمية، حاولتُ قاصداً إثارتها. أردتُ أن أُجرّبها، لعلَّ التجربة تدلّني على اكتشاف مخزونها الدَّاخلي، ودرجة الغضب عندها.‏

قلتُ: هل تذكرين عندما كنتِ برفقة سهام، وأوصلكما عُمر إلى ساحة "الإطفائية" بسيارته. ونزلتما هناك عند محال "البالة". ومررتُ بجانبك، لكنّك لم تنتبهي إليَّ. وكانت سهام تختار ما يناسبها من القمصان، وكنتِ تقلّبينها بين يديك.‏

سحبتْ أمل محفظتها بغضب بعد أن استمعت إلى هذا الخبر، كأنّها تريد الانقضاض عليَّ. وازداد غضبها وغيظها حينما لمست أصابعي قميصها الزيتي.‏

كررتُ إثارتها، وقلت: رائحة البالة تعشّش في القميص. ثمَّ قرَّبتُ طرف معطفها الجلدي من أنفي، وأظهرتُ تقزّزي، وقرفي!‏

ظلَّ الصمتُ يُمزِّق انسجامنا، وازداد خوفي. أحسستُ أنّني أثقلتُ عليها كلاماً لستُ بحاجة إلى البوح به الآن، وفي هذا الوقت بالذَّات. أنا مثلك تماماً تمتصُّ الأيام العشرة الأوائل من الشهر كلّ راتبي، فلا تحزني... انظري إلى قميصي، وربطة العُنق، وهذا الحذاء اللَّماع، كلّها ابتعتها من دكان أبي قيصر، جارنا الذي كلَّما فتح "بالة"، أوَّل ما يحسب حسابي، فيعزل لي القطع الجيّدة، وكذلك يتعامل مع الجيران، ويتردّد على دكانه زُبُن كُثُر.‏

ـ 2 ـ‏

اختلط الفرح بالخوف في تلك الليلة. وكلّما قطع الزمن ساعة، كان يُقَرّب موعد زيارتي لأهل أمل. وفي هذه الزيارة النوعية، سأتعرَّف على والدها، وأطلب يدها منه.‏

انشغلتُ بالقراءة، وتسجيل مذكّراتي، لعلّ ذلك يخفف ارتباكي. هجستُ بأمور المستقبل، ورتَّبتُ الكلام المناسب حين مواجهته.‏

كانت البداية الأولى لإعلاني المكشوف عن حُبّ أمل من أصعب الولادات الروحية. وهذا اليوم بالنسبة لي يختلف عن بقية الأيام.‏

اعتدت أن أفتح النافذة صباحاً، وأستقبل الشمس فرحاً، وأشرب القهوة في الشُرْفة المُطلّة على حديقة صغيرة مهجورة. وفي هذا اليوم "عُطْلة رسمية" استرخيت في سريري. اكتفيت بتكرار الأسئلة الدائرة في رأسي، المتغلغلة في قصص قديمة، تحكي عن الخوف الذي يربكني، فأنا أكره زيارة الأقبية والبيوت التراثية الواطئة. أحاول دائماً أن أتجاهل الأحياء القديمة وزواريبها، وأخالف كلّ الذين يدعون للحفاظ عليها، رغم أنّها واسعة، فسيحة، غرفها كبيرة، وسقوفها عالية، لكنّها تضجُّ بالناس وتعدّد العائلات...‏

أعود إلى السؤال الذي أرهقني: ماذا سيحصل في مساء هذا اليوم؟ هل يا ترى تكون أمل نهضت من نومها باكراً، وفي الموعد ذاته؟ وهي الأنثى الوحيدة في المنزل تعيش إلى جانب والدها الأرمل منذ عشر سنوات، وأصبحت بالنسبة إليه كظلّه، وكلّ شيء في حياته!‏

رجل في الثالثة والسّتين من عمره. تقاعد من عمله. يقضي معظم أوقاته في مقهى المتقاعدين. أمَّا أمل المدرّسة لمادة اللغة الإنكليزية، فهي المسؤولة عن نظافة المنزل وترتيبه وغسل الملابس وكيّها، وعن الطّبخ وسواها من الأعمال البيتية. كيف سيتخلَّى عنها، وبهذه السهولة يتقبَّل فكّ هذا الرباط! أتصوّر أنّه سيعقّد الأمور، وسيلزمني بشروطٍ قاسية يمكن أن تدفعني مُكْرهاً إلى الإحجام عن هذه الخطوة أو تأجيلها، علماً أنني أصبحتُ في الثانية والثلاثين، وأملك بيتاً متواضعاً، وراتباً شهرياً، وأعيش وحيداً. وهذه أحد الأسباب الموجبة، لاندفاع أمل نحوي، فلا حماة تناكدها، ولا أخت عانساً تراقبها، ولا أب يحاسبها على كلّ حركة تقوم بها. كل الشروط التي حدّدتها أمل متحقّقة، قبل أن نخطو خطوة واحدة. كنت صريحاً معها، فأنا في سنٍ لا يسمح لي بالتلاعب بعواطف الناس، فهي تريد أن تكون حُرّة، ومن حقّها أن لا يزاحمها أحد في بيتها الزوجي.‏

دار حوار طويل في لقائنا الثاني حول هذه النقاط، ومسائل أخرى، عن (مفهوم الحرية) مثلاً. اختلفنا من حيث الجوهر، واتفقنا على القشور. وكلّما حاولتُ نزع قشور البصل التي تُغلّف مفهوم الحرية، عادت من جديد، واستعادت موقفها القديم في النقاش الحامي، الذي كان يدور في غرفة المدرّسين. وكانت الآراء تتعدّد وتتباين. منهم مَنْ يقول: يولد الإنسان حُرّاً، لكنَّ الإنسان نفسه هو الذي يفرض القيود على حريته، فيسنُّ القوانين. ويقول آخر: الإشكالية في الأنظمة، وفي الغزو الثقافي. وقالت مدرّسة: الحجاب أفضل حلّ للمرأة، والمرأة مُلك للرجل... مكانها البيت، وينبغي أن تظهر بمظهر لائق، وتتبرّج أمام زوجها فقط، لإغوائه، وإبقائه قريباً منها، وكي لا يلتفت لغيرها، فهو المالك الوحيد لهذا العقار الأنثوي.‏

كانت أمل الأكثر قُدْرة على استيعاب "الموضة" التي تعدُّها جزءاً هاماً من حرية المرأة، والحرية كما تراها تبدأ من الخارج نحو الداخل. وخالفتها مدرّسة الرياضيات، قائلة: على العكس، تبدأ الحرية من الداخل فهو معقّد جدّاً، لتصل إلى الخارج، أي تبدأ من انفتاح العقل، فهنا القيادة المركزية لكل العمليات، وفي كلّ أوقات الحرب والسلم.‏

أوضحت أمل أنَّ المسألة الجوهرية هي في القوانين التي تقيّد وتكبّل المرأة، بينما الرجل الذي تكبّله بعض القوانين، والعادات السّيئة، المسكونة فيه، تُحبط كلّ طموح ومسعى للإلغاء أو التعديل، لكنّه، أي الرجل، يظلّ أكثر حرية من المرأة، فيخرج، ويعود، ويتنقّل، ويتحرَّك متى يشاء، بينما ما يحصل للمرأة أسوأ بكثير!‏

سكتتْ تداعياتي. توقَّفت عن الجريان واستقدام مقطوعات قديمة من حكايات أمل الاستهلاكية، ومواقف الآخرين والمراوغين أصحاب الوجوه المتعدّدة... الشيء المهمّ الآن، والأكثر صعوبة وتعقيداً، هو امتلاك الجُرأة، وتبديد الخجل الذي يعتريني أحياناً، ويمنعني من الإدلاء بموقفي. وهذا ما كان يحرمني من قول رأيي، وقول الحقيقة، عندما تجتاحني الرغبة في منع مَنْ يحاول أن يُدبّج كذبة، ويمرّرها بسهولة، ويدّعي مفتخراً، ويقول: إنَّ الكذب هو الشيء السائد اليوم، كما الشعار الذي يتردّد دائماً (بوس الأيدي ضحك على اللّحى).‏

أفرغتُ جُعْبة أفكاري الزَّاحفة في فراغ لا نهائي. أقنعتُ نفسي بأنَّ الهدف الرئيس الآن هو إنجاز مهمتي دون عراقيل كبيرة، حتى وإن طلب العمّ عبد الله والد أمل أن أكون "صهر بيت" نسكن معاً في منزل واحد، سأتقبّل الأمر بارتياح وهذا شرط من أبسط الشروط وأسهلها، عندئذٍ سأكلّف مكتباً عقارياً بتأجير بيتي إلى عائلة خليجية، واستثماره كلّ صيف، وبذلك يزداد دخلي، ويتحسَّن مستوى حياتي، وأتخلَّص من ديوني المتراكمة، والمزاحمة على القروض من مصرف التسليف الشعبي، لاستكمال تجهيز غرفة النوم، وتأمين تكاليف الزواج.‏

تنازعني أمران أحلاهما مُرّ، فمن جهة أخذ القلق يتمشّى بحرية في شراييني، كأنّه يستحمّ في دمائي، ولا أملك القوة على مواجهته، وكان الخوف يكشّر عن أنيابه، يرنُّ نباحه في أُذني، فأكتم أنفاسي، ريثما تتطاير الأوراق الصفراء، وينتهي خريف هذه الزيارة بأقلّ الخسائر من جهة أخرى.‏

حدثت تبدّلات جريئة، فخفت صوت اضطراباتي، وأنا أغلق الباب، وأنطلق فرحاً إلى الشارع أبحث عن سيارة أجرة للوصول في الموعد المحدّد، وهذا سيخلّصني من تشتتي، والبلبلة التي عصفت بي، ومن أول الطريق سأكون صادقاً. فالمواعيد الدقيقة هي مقدمة صحيحة، للمقولة الدارجة، بأننا لا نحترم الوقت. سأخالف آراء الناس، سأكون دقيقاً وصارماً مع الزمن.‏
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : زهرة في الرمال Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

زهرة في الرمال Empty رد: زهرة في الرمال

مُساهمة من طرف hamza28 الأحد 5 يوليو - 11:27

ـ 3 ـ‏

رَوت لي أمل بعد أن انتهينا من شرب القهوة، وأحضر النّادل كأسين من عصير البرتقال، وتحوَّل الحوار من السخونة إلى البرودة. وتدخّلت العواطف والكلمات الحميمة الدَّافئة.‏

قالت: أعرف قصَّتك، قرأتها في كتاب التطور التاريخي للمجتمعات البشرية.‏

دفعتْ شعرها إلى الخلف، وظهر وجهها البلّوري أكثر صفاءً، غابت بعض التجاعيد الخفيفة عن جبينها.‏

أنتَ في وادٍ، وأنا في وادٍ. أين ذهب ذهنك يا رجل، وليس الأمر كما تتصوَّر إنَّ قصة الطبقات هذه، غير قصة تاريخ الطبقات.‏

سألتها: ماذا تقصدين من هذه التسمية يا أمل؟‏

إنّها طبقات الكذب، والكذب كما تعلم لا يشكّل طبقة واحدة، متجانسة مثل الطبقة العاملة، فهو يتعدّد ويتلوَّن، ويترقّى من أدنى درجات السلّم إلى أعلاها. والكذاب الشاطر المحترف، الانتهازي، يحقق النجاح في التسلّق قبل الكذَّاب الجبان، الخائف على ريشه من النتف السريع. وهناك طبقة الكذب المزدوجة، أو الشخصية المزدوجة، التي يتنقّل صاحبها بين طبقتين. فمرّة يحمل صفات هذه الطبقة، ويعدّه "عمّي" ابناً حقيقياً لها، لأنّه سرعان ما اندسَّ في صفوف الحزب، علماً أنّه، كما يروي والدي، كان قبل أن يصبح مديراً لأكبر مصرف تجاري في البلاد، أي عندما كان على مقاعد الدراسة، يدّعي أنّه كجدّه، بعظمه ولحمه، يحمل ملامحه الآسيوية. دخل البلاد مع إحدى القبائل المهاجرة.. هكذا كان يردّد عمّي في جلساته وهو يقرأ أصول وفروعها. شجرة العائلة. وكان يُمازحنا لأنه في الحقيقة لا يعرف أصولنا الحقيقية، لكنَّ الاسم يوحي لنا بأننا من "حرمون".‏

رجل طويل، يضفي شاربه شيئاً من الهيبة والصرامة، يميل لون عينيه إلى الاخضرار. مرّة كما يقول والدي: (يعكس صورة الأجنبي الذكي، ومرّة تكسو البساطة شكله الخارجي).‏

وكلّما تمعّنتُ في تفاصيل صورة قديمة لـه، وهو في السنة الدراسية الأخيرة، وقبيل تخرّجه، أتذكّر مدى الدهاء، وحبّ السيطرة والجشع، اللّذين يبدوان أنّهما صفات موروثة، غير مكتسبة، بعكس البساطة والودّ، فهما يشكلان أصالة والدي.‏

يمكنك ألاَّ تقلق من حديثي، وتتصوّر أنّني أدفعك إلى الحقد على عمّي "عطا". لقد انتهت قصّة العائلة، وما حدث قد أصبح من الماضي. ولا نواجه مشكلة الآن، فالأمور تسير بهدوء، ولا مَنْ يُعكّر صفاءها.‏

تيقّنت أنَّ أمل لا تكذب. كانت تحاول أن تفلسف درجات الكذب وتماهيها مع الواقع. أتخيّل أنّها تسترشد بوصايا أُمها "المرحومة" لأنّها تكرّر وتُعيد أقوالها كأنها فيلسوف عصرها، ولا تذكر قولاً لأبيها.‏

وعندما توقفتْ عن الحكي غير المجّاني في معظمه، بدا الحزن يشرب حُمْرة خدّيها، فأمسكتُ يدها، ودلكتها بين كفّيَّ. كانت باردة على الرغم من اعتدال الطقس الربيعي. وشجعتها للتخلّص من أفكارها واستطراداتها المبللة بعبق عتيق، مصاحباً بالتوتر، والبوح بعجالة.‏

قلتُ مواسياً: كلّ الناس هكذا... الكثيرون يكذبون، ويسوّغون كذبهم، لكنهم يطلقون عليه "الكذب الأبيض".‏

هل تُصدِّقين أنَّ هناك كذباً أبيض، وكذباً أسود؟‏

الكذب هو الكذب لا يتغيّر، لكن هناك كذبة صغيرة، وكذبة كبيرة. فعندما كنت طفلاً، وعمري خمس سنوات، وهذا من المؤكّد حصل معكِ، ويحصل مع كلّ الأطفال. مددتُ يدي إلى محفظة أبي، وسرقتُ ليرة سورية. وكانت آنذاك مبلغاً مرموماً، بالنسبة إلى طفل. لاحظت أُمّي أنّني أكرر زياراتي إلى دكان أبي بشير. وحينما اقترب موعد الغداء، استلقيتُ على سريري. أغمضتُ عينيَّ لعلّي أغفو، ففشلت محاولاتي. ورفضتُ نداء أُمّي لتناول الطعام.‏

تعرّضت مساء إلى مساءلة صعبة، بعد أن خرج والدي مع أحد أصدقائه. ارتبكتُ في الإجابة عن أسئلة أمي، ثم اعترفتُ لها بالذنب الذي اقترفته. وما زلتُ أتذكّر أنّها لم تضربني. ابتسمت أُمّي، ونبهتني، وحذرتني من تكرار ما قمتُ به. قالت: (السارق يا بُني تقطع يده. وإذا كرر السرقة يقطع الشيخ لسانه. أي العين بالعين والـ....).‏

بلتُ على ثيابي من الخوف. وسال خيط الماء على البلاط. تركتُ أُمّي وأسئلتها ووصاياها وهربتُ مسرعاً إلى غرفتي، ندمتُ على ما قمت به. وتعهدت في نفسي ألاَّ أكرر السرقة ثانية.‏

كنتِ تريدين أن تقولي إنَّ عمك سرق الأموال، فهو لصٌ كبير، والسرقة كما تلاحظين رافقت الإنسان. ويكذب السارق إذا تعرَّض للمساءلة، وحتماً سيقول: (ورثتُ هذه الأموال من أبي أو عمّي الغني...) ويمكن أن نسمّي هؤلاء (سارقين وكذَّابين)! وعمك كذب كذبة كبيرة... وكلّ شيء لـه حسابه.‏

أقول لك إنَّ حبل السرقة، كما هو حبل الكذب، قصير جدّاً، لكن عندما تتكاثف وتتضخّم تلال السرقة، تتحوّل إلى قضية كبيرة. ألم تقل لك أُمّك (الذي يسرق إبرة يمكن أن يسرق جملاً).‏

أشرقت الابتسامة. وكان النُّور الهابط من سقف "الكافتيريا" يعطيها ألواناً برتقالية، بلون العصير..‏

أكَّدت أمل كلامي. قالت: الحقُّ معك. يجب علينا أن نميّز بين الكذب والسرقة، وبين السرقة الصغيرة والكبيرة، وبين الفساد والإفساد، وما حصل معك عندما نشلت ليرة من محفظة أبيك، حصل معي أيضاً، لكّني سرقت نصف ليرة من محفظة أُمّي، واشتريت بها أحمر الشفاه، فتورَّدت شفتاي.‏

تضاحكتْ أُمّي وهي تراقبني، وأنا "أَتَغَنْدر" أمام المرآة. رَّبتتْ على كتفي ساخرة (الله يكبِّرك يا بنتي، لاحقة على الغندرة. أنتِ جميلة بدون هذه الصبغة... عمري خمسون عاماً وربيّت كل أولادي، ولم أصبغ شفتيَّ وأتغندر إلاَّ في ليلة زفافي...).‏

سألتْ أمل: هل تعرف الحكومة كلّ السَّارقين؟ وكيف تسكت عن مثل هذه الجرائم، تشمُّ الحكومة يا حبيبتي تلك الرائحة الكريهة، فأنفها يستنشق كلّ هواء البلاد، ويملأ زفيرها كلّ الأماكن الرسمية والشعبية. والدليل على ذلك ما تنشره يومياً الصحف المحلية، لكّنها تكتم أسرارها عنّا. كلّ دولة من دول العالم لها أسرارها الخاصة. والسرقة الكبيرة هي سرّ كبير، والصغيرة هي سرّ صغير، سَرْعان ما يظهر في أعمدة الصحف. ألم تسمعي، فمنذ أيّام فاحت رائحة شركة "محروقات"، وسرقت إحدى الموظفات أكثر من مليار ليرة، وهربت، لكنَّ الحكومة رأت أنها تسرق دفء المواطنين وتعويضات التدفئة، فلاحقتها وأعادتها إلى البلد، وقرأت السَّارقة قصّتها، وقصص الذين اشتركوا معها، وكلّهم شخوص رئيسة في هذه الرواية.‏
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : زهرة في الرمال Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

زهرة في الرمال Empty رد: زهرة في الرمال

مُساهمة من طرف hamza28 الأحد 5 يوليو - 11:29

أية رواية؟‏

رواية من القطع الكبير، عنوانها "السرقات".‏

إذا قُدِّر لك أن تسرقي الحُبّ من قلبي، فأين سأحاكمك؟ وفي أية محكمة؟‏

إذا تمَّ ذلك، ونجحتْ خطّتك، فأين تخبّئين المسروقات؟‏

وضعتْ أمل يدها على قلبها. قلت: إنّه مكان آمن، مُحصَّن، لا أحد يكتشفه بسهولة، وهذه ثروتنا، علينا ألاَّ نبدّدها، أن نحافظ عليها كي لا تخرج مشوَّهة. والحُبّ المشوّه، مولود مَعوق يعيش حياة ناقصة بين أترابه الذين ينظرون إليه نظرات الشفقة، وأحياناً يسخرون منه، فينفر منهم، ويبتعد عنهم، ينزوي بعيداً في باحة المدرسة، وفي أمكنة اللّعب، خوفاً من تشويهه أكثر.‏

في هذا اللقاء شعرتُ أنّني في أفضل حال. تطابقتْ آرائي مع آرائها. وهذا إلى حدّ ما يساعد على إعادة تشكيل صيرورتنا وتماهينا، وهو من جانب آخر، وفي تصوّري، إذا استمرَّ هذا الاندماج عن دراية ووعي، سيكون صائباً. وإذا ظهرت بوادر خلافية مع المحافظة على هذه الصيرورة، فهو الأكثر قدرة على الاستمرار والديمومة.‏

أثنتْ أمل على صحّة هذه الفلسفة التي تسمعها للمرة الأولى، لكّنها عارضت كيفية صياغتها بهذا الشكل. تبلور عندها مفهوم آخر. تحوَّلت إلى امرأة من نوع آخر في نظري، عندما شرحت موقفها من "فلسفة الحُبّ" هذا الكائن الخلاّق الذي وصفته بالتجدّد إذا كانت التربة التي ينمو فيها غير معرضة للتملّح. أمَّا إذا كان الحُبّ سلعة رخيصة في سوق التداول، يبتاعه أيٌّ كان وفي أيّ زمان، فهو مُعرَّض لتشكيل أغشية رقيقة، من السهل خدشها بدبّوس، وتنفيسها. ويحدث هذا دائماً بين البشر الذين يدّعون أنّهم جبلوا من طينة واحدة.‏

رفعتُ يدها بقدسية، وقبَّلتها بفرح. لم تُمانع، وفهمتُ من نظرتها الوديعة أنّها تذكّرني بموعد زيارة أبيها، كي نستكمل مشروعنا وفلسفتنا، لأنَّ مشروعنا مُكْلف من الناحيتين المادية والروحية، وتحتاج فلسفتنا إلى تفسير وشرح لأركانها، والأعمدة التي سينهض عليها هذا البناء.‏

تستحقُّ هذه الجلسة التسجيل في "كاسيت"، فقد أمتعتني أمل بجمال حديثها، وهذه القدسية النّورانية، والإلحاح المسحوق تحت أقدام مشاعرنا، المشدود بخيوط من الحرير المقدّس، المكرّس للنذور على جدران مقام السّيد المجهول الاسم.‏

أحسستُ أنّني في زيارة لأَفي نذوري بدون لهاث وقهر أو ندم. إنَّها تَشْغل تفكيري، وتَدْخل إلى قلبي بعاهاتها. تدسُّ أتفه الأفكار والمشاريع بين زفيري وشهيقي، فيخرج فساد روحي نظيفاً من الغشِّ واللعنات.‏

طوَّقت ذراعاي عنقها. دسستُ أنفي في شعرها الأسود النّقي، الصافي، فاحترقتُ، واشتعلتُ من الدَّاخل، وهي تشتعل أيضاً، ويتأجّج اللَّهب في جسدها، فعجزتُ رغم مقاومتي، وصبري عن إطفاء حرائقنا. تراجعتُ وتركتها تُصلح ما خرَّبته أناملي.‏

نَظَرتْ إليَّ بعينين ذابلتين. حفظتُ جيّداً ما أكَّدته عليه، ونحن نترك "الكافيتريا" خلفنا. نترك دفئاً، وجيشاناً، ولهاثاً، ظلَّ أسيراً تحت سقف صدرينا. ولا يمكن أن أنسى ما أوصتني به. سأكون عندها مساءً، وأبدأ ببناء فلسفتنا الجديدة!‏
hamza28
hamza28
شهاب خبير
شهاب خبير

عدد الرسائل : 5697
العمر : 32
أعلام الدول : زهرة في الرمال Dz10
أوسمة : المشرف المميز
تاريخ التسجيل : 09/12/2008

https://chihab2009.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى